" الطائفة المنصورة "
" الطائفة المنصورة "
وإذ تبين أن الفرقة الناجية هم أهل السنّة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث، فثمة طائفة من هذه الفرقة لا تزال قائمةً بأمر الله، يقاتلون على الحق ظاهرين منصورين لا يضرهم من خذلهم وخالفهم، حتى يقاتل آخرهُم المسيح الدجال وتقوم الساعة، وهم بالشام، وببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وردت بذلك روايات هذا الحديث المتواتر: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» وقد روي عن ابن المبارك، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وشيخه ابن المديني، وابن حبان، وأحمد بن سنان، وغيرهم أنهم أهل الحديث.
قال ابن كثير: وهذا أيضًا من دلائل النبوة؛ فإن أهل الحديث بالشام أكثر من سائر أقاليم الإسلام، ولله الحمد، ولاسيما بمدينة دمشق حماها الله وصانها، كما ورد في الحديث الذي سنذكره؛ أنها تكون معقل المسلمين عند وقع الفتن (شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ).
ولا ريب أن أهل الحديث أولى الناس وأجدرهم بالولوج في عداد الطائفة المنصورة؛ بيد أن أهل الحديث كائنون بالشام وغيره، ومن ثم فليسوا وحدهم الطائفة المنصورة، وإن كانوا من الفرقة الناجية بلا ريب، على أن الطائفة المنصورة لابد أن تكون من أهل السنُّة والجماعة ومَنْ يعتقد مذهب أهل الحديث، غير أنهم بالشام يقاتلون على الحق ظاهرين منصورين، ولا يشكل على الذي قررناه الواقع الذي يعيش فيه الشام في الوقت الحاضر، فالعبرة بالحال العام الغالب.
على أن ابن حجر يقول: المراد بالذين يكونون ببيت المقدس: الذين يحصرهم الدجال إذا خرج فينزل عيسى إليهم فيقتل الدجال، ويظهر الدين في زمن عيسى، ثم بعد موت عيسى تهب الريح المذكورة، فهذا هو المعتمد في الجمع، والعلم عن الله تعالى (فتح الباري).
وقد ألفيتُ ابن تيمية شيخ الإسلام يرى أن الطائفة المنصورة في وقته هي الطائفة التي بالشام ومصر، يقول: «فهم في هذا الوقت المقاتلون على دين الإسلام، وهم من أحق الناس دخولاً في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية لمسلم: «لا يزال أهل الغرب» والنبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية، فغربه ما يغرب عنها، وشرقه ما يشرق عنها.. ولهذا قال أحمد بن حنبل: «أهل الغرب» هم أهل الشام.. وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل في الغرب، وفي الصحيحين: أن معاذاً بن جبل قال في الطائفة المنصورة: «وهم بالشام»؛ فإنها أصل المغرب، وهم فتحوا سائر المغرب؛ كمصر، والقيروان، والأندلس، وغير ذلك.. وقد جاء في حديث آخر في صفة الطائفة المنصورة «أنهم بأكناف بيت المقدس» وهذه الطائفة هي التي بأكناف بيت المقدس اليوم.
قال ومن يتدبر أحوال العالم في هذا العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام علمًا وعملاً وجهادًا عن شرق الأرض وغربها؛ فإنهم هم الذين يقاتلون أهل الشوكة العظيمة من المشركين وأهل الكتاب، ومغازيهم مع النصارى، ومع المشركين من الترك، ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة وغيرهم؛ كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة؛ وهي معروفة معلومة قديمًا وحديثًا، والعز الذي للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها هو بعزهم، ولهذا لما هُزموا سنة تسع وتسعين وستمائة دخل على أهل الإسلام من الذل والمصيبة بمشارق الأرض ومغاربها ما لا يعلمه إلا الله.. وذلك أن سكان اليمن في هذا الوقت ضعاف عاجزون عن الجهاد أو مضيعون له.. وأما سكان الحجاز فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة، وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله، وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون... وأما المغرب الأقصى فمع استيلاء الإفرنج على أكثر بلادهم لا يقومون بجهاد النصارى هناك؛ بل في عسكرهم من النصارى الذين يحملون الصلبان خلق عظيم، ولو استولى التتار على هذه البلاد لكان أهل المغرب من أذل الناس، لاسيما والنصارى تدخل مع التتار فيصيرون حزبًا على أهل المغرب؛ فهذا وغيره مما يبين أن هذه العصابة التي بالشام ومصر في هذا الوقت هم كتيبة الإسلام، وعزهم عز الإسلام، وذلهم ذل الإسلام؛ فلو استولى عليهم التتار لم يبق للإسلام عزٌّ ولا كلمة عالية، ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه (الفتاوى).
مختارات