موعظة لقمان لابنه
وإذ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 13 - 15]
نبّه الباري -جلّ وعلا- في هذه الآيات الكريمة إلى المقام الرفيع الذي أُعطيه العبد الصالح (لقمان).. وذكّر بحق الوالدين، وحذّر من الشرك، الذي هو أعظم الجرائم عند الله، فالله -جلّ ثناؤه- يخبرنا عن أمر ذلك العبد الصالح، الذي رزقه الله الحكمة، وآتاه العقل والرشد، فكان ينطق بالحكمة ويعلّمها الناس.
وقد عدّد -سبحانه وتعالى- بعض هذه النصائح، التي أوصى بها (لقمان الحكيم) ولده، وكان من أهمها وأخطرها، التحذير من (الكفر والإشراك) لأنه نهاية القبح والشناعة {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ الطير أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31].
يقول الله -جل ثناؤه- ما معناه: اذكر يا محمد لقومك. موعظة لقمان لابنه، وهو أشفق الناس عليه، وأحبّهم لديه، حين نبَّهه إلى خطر الشرك بالله، وجحود نعمائه.
وحذّره من ضرره، لأنه ظلم صارخ، وعدوان مبين، لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه. فمن سوّى بين الخالق والمخلوق، وبين الإله الرازق، والصنم الذي لا يسمع ولا ينفع ولا يغني عن صاحبه شيئاً. فهو – بلا شك – أحمق الناس. وأبعدهم عن منطق العقل والحكمة. وحريّ به أن يوصف بالظلم، ويجعل في عداد البهائم.
وبعد أن ذكر -سبحانه- ما أوصى به لقمان ابنه من شكر المنعم، وذكر ما في الشرك من الشناعة. أتبعها -سبحانه- بوصيةٍ مستقلةٍ عن وصايا لقمان ألا وهي (الوصية بالوالدين) ليشير إلى قبح الشرك، ويؤكد حكمة الرجل الصالح (لقمان) لابنه في نهيه عن الشرك فكأنه -تعالى- يقول: مع أننا أوصينا الإنسان بوالديه، وأمرناه بالعطف عليهما، والإحسان إليهما، وألزمناه طاعتهما لما تحملا في سبيله من المتاعب والمصاعب، مع كل هذا فقد حذَّرناه من طاعتهما في حالة الشرك والعصيان، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالوضع السليم بين (الأب وابنه) هي الطاعة والإحسان، وامتثال كمال الأدب مع من ربّاه وتعب في شأن تربيته.
{وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 24] فإذا تغيّر الوضع، وأصبح الأب والأم مدعاةً للشرك، ومصدراً للعصيان، فلا سمع ولا طاعة ولا استجابة لصوت الضلال، مهما بذلا من جهدٍ، ومع كل ذلك فقد ختم الله -جلّ ثناؤه- الآية الكريمة بوجوب صحبتهما بالمعروف والإحسان إليهما في الدنيا حتى ولو كانا مشركَيْن، لأنّ حقهما على ولدهما عظيم، وكفرُهما بالله لا يستدعي ضياع المتاعب التي تحمّلاها في تربية الولد، فالإحسان إليهما واجب، وطاعتهما في معصية الله ممنوعة، واتباع سبيل المؤمنين الصادقين هو الطريق السوي الذي يوصل إلى رضوان الله تعالى.
تفسير آيات الأحكام – (1 / 413) بتصرف
مختارات