" الستون في القرآن والسنة "
" الستون في القرآن والسنة "
لم يرد لفظ الستين عاماً صريحاً في القرآن الكريم، ولكن صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما مر قريباً وكما سيأتي – بأن من بلغوا الستين عاما هم المعنيون بقوله تعالى: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ " وكذلك فهم كثير من الصحابة – رضي الله عنهم – وكثير من العلماء بعدهم: أن التعمير المذكور في الآية يكون ببلوغ الستين.
ورجح ابن حجر هذا المعنى للتعمير وأن ببلوغ الستين فقال عند شرح حديث البخاري: (وقوله: باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله تعالى: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ": واختلفوا أيضا في المراد بالتعمير في الآية على أقوال:
أحدها: أنه أربعون سنة.
والثاني: ست وأربعون سنة.
والثالث: سبعون سنة.
والرابع: ستون، وتمسك قائله بحديث الباب، وورد في بعض طرقه التصريح بالمراد فأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي هريرة – رضي الله عنه – بلفظ: العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم ستون سنة: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ " وأخرجه ابن مردويه.
الخامس: التردد بين الستين والسبعين، أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – بلفظ: «من عمُر ستين أو سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر».
وأصح الأقوال في ذلك: ما ثبت في حديث الباب – أي حديث البخاري – ويدخل في هذا حديثُ: «معترك المنايا مابين ستين وسبعين» (فتح البارى، بتصرف يسير).
وبوب ابن حبان في صحيحه فقال: فصل في أعمار هذه الأمة... ذكر الإخبار عما أمهل الله – جل وعلا – للمسلمين في أعمارهم واكتساب الطاعات ليوم فقرهم فاقتهم.
ثم أورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر»، ثم قال بعدها: الإخبار عن وصف العدد الذي به يكون عام أعمار الناس، وساق حديثا عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك» (صحيح ابن حبان).
وإذا بلغ ستين سنة وهو عمر التذكر والتوفيق الذي قال الله تعالى فيه: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ " حببت إليه الإنابة أي الرجوع إليه لكونه مظنة انتهاء العمر غالباً (فيض القدير) وحديث: «إذا كان يوم القيامة نودي: أين أبناء الستين من السنين؟» وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه في كتابه العزيز: }أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ{- ما مفعول مطلق أي تعميراً - " يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ " أي أراد أن يتذكر، ومبدأ التذكر تمام العقل وهو بالبلوغ، والستون نهاية زمن التذكر، وما بعده هرم (فيض القدير).
قال ابن حجر: قوله: باب العمل الذي يبتغي به وجه الله تعالى، ثبتت هذه الترجمة للجميع، ثم أخذ في بيان المناسبة لترجمة من بلغ ستين سنة فقال: خشي المصنف أن يظن أن من بلغ الستين وهو مواظب على المعصية أن ينفذ عليه الوعيد، فأورد هذا الحديث المشتمل على أن كلمة الإخلاص تنفع قائلها، إشارة إلى أنها لا تخص أهل عمر دون عمر ولا أهل عمل دون عمل، قال: ويستفاد منه أن التوبة مقبولة ما لم يصل إلى الحد الذي ثبت النقل فيه أنها لا قبول معه وهو الوصول إلى الغرغرة، وتبعه ابن المنير فقال: يستفاد منه أن الأعذار لا تقطع التوبة بعد ذلك وإنما تقطع الحجة التي جعلها الله للعبد بفضله، ومع ذلك فالرجاء باقٍ.. أما معنى الإعذار في قوله صلى الله عليه وسلم «أعذر الله» فالإعذار: إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به، يقال أعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية، ونسبة الأعذار إلى الله مجازية، والمعنى أن الله لم يترك للعبد سبباً في الاعتذار يتمسك به، والحاصل أنه لا يعاقب إلا بعد حجة، وقوله: أخْر أجله، يعني أطاله حتى بلَّغه ستين سنة، وفي رواية معمر: «لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى يبلغ ستين سنة أو سبعين سنة لقد أعذر الله إليه، لقد أعذر الله إليه...» وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – بلفظ: «من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر» (فتح الباري).
ويكاد ينعقد إجماع المفسرين على أن التعمير المذكور في آية فاطر هو ببلوغ الستين.
قال الطبري: اختلف أهل التأويل في مبلغ ذلك فقال بعضهم: ذلك أربعون سنة، وقال آخرون: بل ذلك ستون سنة.
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة نودي أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أعذر الله إلى صاحب الستين سنة والسبعين».
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عمره الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر».
وعن علي – رضي الله عنه – في قوله: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " قال: العمر الذي عمركم الله به ستون سنة، وهو أشبه القولين بتأويل الآية.
وقوله: " وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " اختلف أهل التأويل في معنى النذير فقال بعضهم: عني به محمداً صلى الله عليه وسلم، وقرأ: " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى " [النجم:56].
وقيل: عنى به الشيب، فتأويل الكلام إذا: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " قال: العمر الذي عمركم الله به ستون سنة، وهو أشبه القولين بتأويل الآية.
وقوله: " وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " اختلف أهل التأويل في معنى النذير فقال بعضهم: عني به محمدا صلى الله عليه وسلم، وقرأ: " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى " [النجم:56].
وقيل: عني به الشيب، فتأويل الكلام إذا: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ " يا معشر المشركين بالله من قريش من السنين " مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ " من ذوي الألباب والعقول، واتعظ منهم من اتعظ وتاب من تاب، وجاءكم من الله منذر ينذركم ما أنتم فيه اليوم من عذاب الله، فلم تتذكروا مواعظ الله ولم تقبلوا من نذير الله الذي جاءكم ما أتاكم به من ربكم (تفسير الطبري).
ورجح ابن كثير نفس الاختيار عند قوله تعالى: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ "، فقال: (أي أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لا نتفعتم به في مدة عمركم.
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ " ستون سنة، فهذه الرواية أصح عن ابن عباس وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضا لما ثبت في ذلك من الحديث) (تفسير ابن كثير).
والقرطبي يقول عن هذا السن: (فيه إعذار بعد إعذار الأول بالنبي صلى الله عليه وسلم، والموتان: في الأربعين والستين، قال علي وابن عباس وأبو هريرة – رضي الله عنهم – في تأويل قوله تعالى: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ " إنه ستون سنة.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في موعظته: «ولقد أبلغ من تقدم في الإنذار، وإنه لينادي منادٍ من قِبل الله تعالى أبناء الستين: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " ».
وقوله تعالى: " وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " وقرئ (وجاءتكم النذر) واختلف فيه فقيل: القرآن، وقيل: الرسول صلى الله عليه وسلم، قاله زيد بن علي وابن زيد، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما – وعكرمة وسفيان ووكيع والحسين بن الفضل والفراء والطبري: هو الشيب، وقيل: النذير الحمى، وقيل: موت الأهل والأقارب، وقيل: كمال العقل، والنذير بمعنى الإنذار) (تفسير القرطبي).
ألا وإن من بلغ الستين لابد أنه قد مرَّ عليه الشيب والحمَّى وموت بعض الأهل والأقارب، وقد كمل عقله.
مختارات