تابع " طلب الهداية (اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) "
تابع " طلب الهداية (اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) "
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من ربه وهو متوجه إليه في صلاته، أن يهديه إلى أعدل الطرق وأقومها، ويعلمنا ذلك، فكان يقول في دعاء استفتاح الصلاة:
1- «واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت» (من حديث طويل أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي).
2- وكان عليه الصلاة والسلام أيضًا يستفتح صلاته بطلب الهداية من ربه بقوله:
«اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي في الكبرى).
(ز) مراتب الهداية: وقد بين ابن القيم (من تفسير سورة الفاتحة له بتصرف) أن الهدياة على عشرة مراتب:
1- تكليم الله تعالى يقظةً بلا واسطة، كتكليم موسى عليه السلام، وفي ذلك هداية خاصة له.
2- مرتبة الوحي المختصة بالأنبياء، وفيها هدايتهم للاقتداء بهم.
3- مرتبة إرسال الرسل لهداية البشر بعد اجتبائهم واصطفائهم.
وهذه المراتب الثالث، هداية خاصة بالأنبياء؛ بتكليمهم، والوحي إليهم، وإرسالهم.
4- مرتبة التحديث، أي: الإلهام والتوفيق والسداد، وهي هداية من الله تعالى كحديث أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في هذه الأمة، فعمر بن الخطاب» (أخرجه البخاري).
5- مرتبة الإفهام، كقوله تعالى: " فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ " [الأنبياء: 79] وهي نوع هداية.
6- مرتبة بيان الحق وتمييزه من الباطل، كقوله تعالى: " وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [التوبة: 115].
7- مرتبة البيان الخاص المستلزم للهداية الخاصة، كقوله تعالى: " إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ " [النحل: 37].
8- مرتبة الإسماع، كقوله تعالى: " وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ " [الأنفال: 23].
9- مرتبة الإلهام، كقوله تعالى: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " [الشمس: 7، 8].
10- مرتبة الهداية: بالرؤيا الصادقة، وهي جزء من أجزاء النبوة.
(ح) وللهداية طرق أربعة:
1- الإلهام الفطري: وهو يكون مع الطفل حين ولادته، فهو يلتقم ثدي أمه، ويمتصه بإلهام فطري.
2- حواس الإنسان: السمع والبصر والذوق والشم والحس، وهي تنمو مع الإنسان، ولكنها تخطئ كثيرًا.
3- الإرشاد الإلهي عن طريق الرسالات السماوية والكتب المنزلة.
4- العقل: وهو مناط التكليف، وبه تدرك الحقائق، وتصحح أخطاء الحواس، وهو مختلف في الناس.
وقد لا ينتفع الإنسان بهذه الحواس، فتقصر أو تضعف، ويضل العقل أو ينصرف، وقد يجهل المرء دينه أو يعرض عنه.
لهذا وغيره، شرع لنا سبحانه أن نسأله الهداية إلى الصراط المستقيم؛ فلا تقصر الحواس، ولا تضعف العقول، ولا تحيد عن الدين الحنيف، وفي هذا الإيجاز منتهى الإعجاز.
فاللهم ثبتنا على الإيمان، ووفقنا لصالح الأعمال، واجعلنا ممن سلك طريق الإسلام الموصل إلى جناتك جنات النعيم.
(ط) الصراط المستقيم هو دعوة الرسل: الصراط المستقيم، هو الطريق الواضح الذي لا عوج فيه، وهو الدين الحق الذي لا يقبل الله من العباد غيره، والقرآن الكريم متضمن لهذا الصراط، وهو عين ما جاء به الإسلام في دعوة الرسل، فهو الطريق الذي نصبه الله تعالى لعباده على ألسنة الرسل، وجعله موصلًا إليه سبحانه، وهو مضمون الشهادتين.
وقد وصل الله تعالى الصراط، بأنه مستقيم، ثم وضح وبين هذا الصراط، بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم، وينسب الصراط إلى الله تعالى؛ لأنه شرعه ونصبه، ويضاف إلى العباد؛ لأنهم أهل سلوكه.
(ي) صراط الدنيا وصراط الآخرة: ومن هُدِىَ إلى الصراط المستقيم في الدنيا، هدي إلى الصراط الموصل إلى الجنة، وعلى قدر استقامة العبد على الصراط في الدنيا، على قدر ثبوت قدمه على الصراط الحسي، وهو الجسر المنصوب على متن جهنم يوم القيامة، فعلى قدر سير العبد على الصراط في الدنيا يكون سيره على ذاك الصراط في الآخرة.
والهداية إلى الصراط الأخروي وطلب الثبات عليه، والنجاة منه، هداية خاصة بالطريق إلى الجنة يوم القيامة، فهي نوع من الهداية بالمؤمنين، وهو داخل ضمن مراد الآية.
(ك) المرور على الصراط: ويوم القيامة ينصب الصراط على متن جهنم فتختلف أحوال الناس وهم يمرون عليه، فالمؤمنون يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، والكافرون يكونون في ظلمات لا يبصرون، والمنافقون يكونون في بصيص من نور، ثم يسلب منهم فيتخبطون.
وهكذا فإن الناس في المرور على الصراط يوم القيامة أصناف:
فمنهم من يمر عليه كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يُخطف خطفًا ويُلقى في جهنم " ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا " [مريم: 72].
(ل) العوائق: فلينظر العبد في الصوارف والشواغل والعوائق، التي تعوقه عن السير على الصراط يوم القيامة، من الشهوات والشبهات وهو في الدنيا؛ فإن الكلاليب التي بجنبي الصراط على متن جهنم تخطفه وتعوقه عن المرور عليه يوم القيامة، فإن قويت هذه الشهوات وكثرت في الدنيا، فإن الأمر يكون كذلك هناك.
وعلى قدر سير العبد على طريق الهدى في الدنيا، فإنه سيكون كذلك في الآخرة حذو القذة بالقذة، جزاءً وفاقًا، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل لأصحابه هذا المعنى إلى الأمة.
عن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى ضرب مثلًا صراطًا مستقيمًا على كنفي الصراط داران (وفي رواية: سوران) لهما أبواب مفتحة، على الأبواب ستور، وداع يدعو إلى دار السلام، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» (صحيح سنن الترمذي).
فالأبواب التي على كنفي الصراط، حدود الله تعالى، فلا يقع أحد في حدود الله تعالى حتى يكشف الستر، والذي يدعو من فوقه واعظ ربه.
ويقول ابن مسعود رضى الله عنه : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا، وقال: «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن يساره، وقال: «هذه سبل، وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثم قرأ قوله تعالى: " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ " [الأنعام: 153] (حديث صحيح أخرجه أحمد ورزين عن ابن مسعود).
وفسره رزين عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب هي محارم الله تعالى في قلب كل مؤمن (ينظر: مسند الإمام أحمد).
مختارات