" العفـو "
" العفـو "
الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثارها؛ فلا يَسْتَوْفيها منهم إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم مما فعلوا؛ فَيُكَفِّر عنهم ما فعلوا بما تركوا.
العفو هو الصَّفْحُ عن الذُّنوب وتركُ مجازاة المسيء.
الفرق بين العفو والمغفرة:
العفو أبلغُ من المغفرة؛ فالعفو هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي؛ يقال من عفت الريح الأثر؛ إذا درسته؛ فكأنَّ العافي عن الذَّنْب يمحوه بصفحه عنه، والمغفرةُ هي سَتْرُ وتغطيةُ الذَّنب.
ارتبط اسمُ العفوِّ مع الغفور في أربعة مواضع، وفي الخامسة مع القدير ليظهر أن عفوَه مع قدرته على خَلْقه وعقابهم والانتقام منهم.
أثر الإيمان بالاسم:
- تَكَرَّرَ سؤالُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لرَبِّه العفو والعافية في أحاديث كثيرة؛ حتى أنَّه خَصَّ ليلة القدر الثَّمينة بهذا الدُّعاء الثَّمين الذي عَلَّمه عائشة - رضي الله عنها: «اللهمَّ إنكَ عَفُوٌ تُحبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عني» (الترمذي، ابن ماجه) وسؤال العفو والعافية بمعنى ترك العقوبة والسَّلامة.
- حَثَّ اللهُ عبادَه على العفو والصَّفْح حين أنزل في أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - قولَه تعالى: " وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [النور: 22]؛ وذلك حين حَلَفَ أبو بكر - رضي الله عنه - ألَّا ينفق على (مسطح) أحد أقاربه بعد أن قَذَفَ عرض ابنته عائشة في حادثة الإفك المعروفة.
وفي الآية أهمُّ مردود وثواب للعفو؛ " أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ " ؛ فمَنْ عفا بنيَّة أن يعفو الله عنه أعطاه الله ما أراد.
- وللتأكيد على أنَّ الله تعالى يبادل العفو بعفو أكبر جاءت هذه الآية: " أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا " [النساء: 149].
- وألزم الله نفسَه التَّعْويضَ على العبد في موضع آخر؛ " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [الشورى: 40]، والأجرُ الإلهيُّ لا يُقَدَّرُ بثمن.
- وجعل العفو مع المقدرة من أقرب منازل التقوى " وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى " [البقرة: 237] وهي منازل موصلة للعزِّ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَا زَاد اللهُ عَبْدًا بَعفو إلا عزا» (مسلم).
- وهنا أمر هامٌّ يفرَّق به المؤمن القويُّ عن المؤمن الضعيف؛ وهو أن العفوَ يصدر من قدرة؛ لا من ضعف وهوان وعجز وجهل؛ فهو إن لم يكن قادرًا على الانتقام لنفسه كان عفوُه متلبِّسًا بالعجز والوهن والضَّعْف وإن لم يكن عالمًا كان تركُه للانتقام للجهل.
- ما أحوجنا لمغفرة الله وعفوه في يوم الحشر الأكبر، وحاجتُنا الشديدة هذه لعفو الله تجعل عفوَنا عمَّن أساء لنا أو أجرم بحقِّنا خالصًا لله وليس طمعًا في تقدير المسيء أو المجرم لهذا العفو؛ إنه استثمارٌ حقيقيٌّ لحقوقنا.
مختارات