" طبقات المغتربين "
" طبقات المغتربين "
أخي المغترب:
اعلم ـ يا رعاك الله ـ وأنت تبدأ رحلة الغربة.. أنَّ الناس فيها على ثلاثة:
فمنهم مؤمن صادق: لم تزده الغربة إلا إيمانًا وتثبيتًا.. ويقينًا وتصديقًا.. قد أشرق وجهه بنور الطاعة.. فحمل مشعل الهداية ليبدد به ظلمات الكفر والجهالة.. لم تَضرُّه الغربة.. ولم تؤثِّر فيه التربة.. لأنه يمشي على الأرض وقلبه معلق بالسماء.
ومنهم من هاجر: لا يعرف من الإسلام إلا اسمه.. ولا من الإيمان إلا رسمه.. مسلمٌ بالهوية.. وتابع بالفطرة.. تقلب في المعصية في وطنه.. وهاجر بها معه في غربته.. فاطمأنَّ إليها.. واستكان لطعمها.. وخبر حال الناس فيها.. حتى إذا ملَّ التقلُّب في لذائذها.. وانتهى إلى نهايتها.. انتبه إلى حاله.. وأفاق من غفلته.. فتحركت عروق الحياة في فؤاده.. واستجاب لداعي الفطرة.. وتعلَّق بحبل النجاة.. والتحق بقوافل التائبين.. فقاده إلى مرافئ السعادة.. وأسفر وجهه بنور الطاعة.. وأنس في وحشته وغربته بقربه من خالقه.. فكساه ذلك سعادةً وحبورًا.. ثم عاد إلى أهله.. وإلى دياره.. " حديثًا طيبًا لمن وعى ".
ومنهم من اغترب مؤمنًا: وهاجر صادقًا.. فما لبث أن خلط عملًا صالحًا بآخر سيئًا.. وتعلق بقرين بئيس.. لجَّ وإياه في ظلمة المعصية.. فقرب منها.. وركن إليها.. أو خطف بصره بريق للحضارة زائف.. فخرم عقله.. وأسر لبه.. حتى إذا تقلب في الدنيَّة سنين عددًا.. تحركت بواعث التأنيب في ضميره.. فمنهم تائب ومستغفر.. ومنهم مُصِرٌّ ومستكبر.
فتأمل ـ يا رعاك الله ـ كيف انتهى كلٌّ إلى نهايته.. وأسأل مُقلِّب القلوب هدايته:
" ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ "..
فانظر من أي هؤلاء أنت.. وتذكر أن كثيرًا من الناس من يعيش.. وقليلاً منهم من يدرك.
مختارات