" منازل الغربة "
" منازل الغربة "
أخي المغترب:
وأنت تضع قدمك في أول الطريق.. وعلامات الاستفهام تتزاحم في مخيلتك.. ومشاعر الخوف من الغربة تهز فؤادك.. تذكَّر أن الغربة منازل.. والناس فيها درجات.. أقطف لك من كلام الصالحين باقة. يكون زادًا في المسير.. وعونًا في الطريق.. تفريجًا للهم.. وتسلية للفؤاد.
اعلم ـ يا رعاك الله ـ أن الغربة منازل (ابن القيم، " مدارج السالكين "، 3/203، وما بعدها):
فالأولى: غربة أهل الله.. وأهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذا الخلق.. وهي الغربة التي مدحها صلى الله عليه وسلم.. وأخبر عن الدين الذي جاء به أنه «بدأ غريبًا».. وأنه «سيعود غريبًا».. وأن: «أهله سيصيرون غرباء».
وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان.. وفي وقت دون وقت.. وبين قوم دون قوم.. ولكن أهل هذه الغربة هم أهل الله حقًّا.. فإنهم لم يأووا إلى غير الله.. ولم ينسبوا إلى غير رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الغربة لا وحشة على صاحبها.. بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس.. وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا.. فوليُّه الله.. ورسوله.. والذين آمنوا.. وإن عاداه الناس وجفوه.
" خرج موسى ـ عليه السلام ـ هاربًا من قوم فرعون.. ولما انتهى إلى مدين وهو وحيد.. غريب.. جائع.. خائف.. قال: يا رب.. وحيدٌ، مريضٌ، غريب؟ فقيل له: يا موسى: الوحيد من ليس له مثلي أنيس.. والمريض من ليس له مثلي طبيب.. والغريب من ليس بيني وبينه معاملة.
وقال الحسن:
المؤمن في الدنيا كالغريب.. لا يجزع من ذلها.. ولا ينافس في عزها.. للناس حالٌ وله حال.. الناس منه في راحة، وهو من نفسه في تعب.
والثانية: غربة مذمومة.. وهي غربة أهل الباطل.. وأهل الفجور بين أهل الحق.. فهي غربة بين حزب الله المفلحين.. وإن كثر أهلها.. فهم غرباء.. على كثرة أصحابهم، وأشياعهم.. يعرفون في أهل الأرض.. ويخفون على أهل السماء.
وأما الأخيرة: فهي الغربة عن الوطن.. والناس في هذه الدنيا غرباء.. ليست لهم بدار مقام.. ولا هي الدار التي خُلِقوا لها.. «كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل».
مختارات