" مسؤولية الإمام "
" مسؤولية الإمام "
الإمام مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى في إقامة الصلاة وأدائها والمحافظة عليها؛ فهو قدوة لمن خلفه من المأمومين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام يؤتم به...»(رواه البخاري ومسلم).
ومكانة الإمام عظيمة؛ حيث يتقدم لإمامة المسلمين في الصلاة ويتحمل مسؤولية عظيمة؛ فهو محطُّ أنظار المصلين ومصباح هداية؛ فيجب عليه إخلاص النية لله عز وجل في السر والعلن، وأن يتقي الله في القيام بهذه المسؤولية التي تحملها.
ويمكن تحديد مسؤولية الإمام في الأمور التالية:
أولاً: الضمانة:
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين»(رواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الإمام، وعفا عن المؤذن» (رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان.
الضمان في اللغة: الكفالة والحفظ والرعاية، والمراد الأئمة ضمناء على الإسراء بالقراءة والأذكار.
وقيل: ضمان الدعاء أن يعم القوم به ولا يخص نفسه فقط.
وقيل: لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق (انظر: الشوكاني، نيل الأوطار).
قال الخطابي: قال أهل اللغة: الضامن في كلام العرب معناه: الراعي، والضمان معناه: الرعاية... والإمام ضامن: بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل: معناه ضامن الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء (معالم السنن).
ومن الضمان الذي يجب على الإمام مراعاته أن يصلي في الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم» (رواه أبو داود وابن ماجه).
بَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين أن:
1- الإمام مسؤول عن صلاة من خلفه؛ لارتباط صلاتهم بصلاته؛ فهو الأصل وهم الفرع، ولهذا الضامن كان ثواب الأئمة أكثر إذا أدوها كاملة من فرائض وسنن، ووزرهم أكثر إذا أخلُّوا بها (انظر: البنا، الفتح الرباني).
2- الإمام يحفظ الصلاة وعدد الركعات على المصلين والدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وكذلك يتحمل القيام إذا أدركه المأمون راكعًا؛ وذلك لأنه ضامن الصلاة (انظر: ابن قيم الجوزية، عون المعبود).
ثانيًا: اتخاذ السترة:
السترة: شيء يجعله المصلي بينه وبين من يمر أمامه، ومقدارها ذراع فوق مستوى مرور المار، وهذا هو طول مؤخرة الرحل وعرضها؛ فلا حد لأقله؛ فيجزئ السهم والحربة ونحوهما.
ولا يجوز أن يستتر بأقل من ذراع إلا إذا لم يجد هذا القدر بعد بذل وسعه فيفعل ما يقدر عليه (انظر: محمد طرهوني، ثلاثة عشر سؤالاً وجوابًا حول السترة).
والدليل قوله تعالى: " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " [التغابن: 16].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (رواه البخاري ومسلم).
والدليل على اتخاذ السترة للمصلي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤْخرة الرحل، فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك» (رواه مسلم).
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال: «كمؤخرة الرحل»(رواه مسلم) وغير ذلك من الأحاديث وسيأتي ذكرها.
أما نوع السترة فلم يحدد، ولكن كل شيء في طول الذراع يمكن أن يكون سترة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل مؤخرة الرحل»، وقد ثبت أنه صلى إلى جدار وإلى عَنَزَة (بفتح العين والنون والزاي، كالرمح) وإلى حربة وإلى عكازة أو عصا وإلى أسطوانة وإلى الرحل والبعير وإلى الشجرة وإلى السرير والمرأة نائمة عليه وإلى الحصير(كله ثابت في صحيح البخاري).
ويسن للإمام والمنفرد أن يتخذ سترة سواء كان في السفر أو في الحضر سواء خشي مارًا أم لم يخش مارًا، والدليل على ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، ومن هذه الأحاديث:
1- عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بحربة فتوضع بين يديه فيصلى إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء (رواه البخاري ومسلم).
2- عن عون بن أبي جحيفة قال: سمعت أبي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة، الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه المرأة والحمار (رواه البخاري ومسلم).
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها» (رواه أبو داود).
ويسن للإمام أن يدنُ من السترة حتى لا يقطع صلاته الشيطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فليدن منها؛ لا يقطع الشيطان عليه صلاته» (رواه الإمام أحمد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليدن منها؛ فإن الشيطان يمر بينه وبينها» (رواه أبو داود).
وفي الحديث: كان بين مصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممرُّ شاة (رواه البخاري برقم ومسلم).
وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة جعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ثم صلى (رواه البخاري).
قال البخاري: والذي ينبغي أن يكون بين المصلي وسترته قدر ما كان بين منبره صلى الله عليه وسلم وجدار القبلة (فتح الباري).
والحكمة في الأمر بالدنوِّ من السترة: أن لا يقطع الشيطان صلاة المصلي، والمراد بالشيطان هنا: المارُّ بين يدي المصلي.
وقيل: الحكمة: حتى لا يوسوس الشيطان عليه صلاته (انظر: الشوكاني، نيل الأوطار).
وسترة الإمام سترة لمن خلفه؛ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذخر فحضرت الصلاة فصلى إلى جدار فاتخذه قبله ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه (رواه أبو داود وصححه الألباني في صفة الصلاة للنبي).
والحكمة من اتخاذ السترة ما يلي:
1- تحجب نقصان صلاة المرء، أو بطلانها إذا مر أحد من ورائها.
2- تحجب نظر المصلي لا سيما إذا كانت شاخصة أي: لها جرم فإنها تعين المصلي على حضور قلبه وحجب بصره.
3- فيها امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واتِّباع لهديه، وكلُّ ما كان امتثالاً لله ورسوله، أو اتباعًا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه خير (انظر: الشيخ محمد العثيمين، الشرح الممتع).
مختارات