تابع " مسؤولية الإمام "
تابع " مسؤولية الإمام "
" ثالثًا: تسوية الصفوف:
- فضل تسوية الصفوف:
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة»(رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة» (رواه البخاري ومسلم).
- حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها:
يستحب للإمام عند تسوية الصفوف الإقبال على المأمومين وحثهم على تسوية الصف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ فعن أنس رضى الله عنه قال: أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم، وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري» (رواه البخاري ومسلم).
وعن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم ثلاثًا، والله لتقيمن صفوفكم، أو ليُخالفن الله بين قلوبكم» (رواه أبو داود وإسناده حسن).
قوله: «تراصُّوا» أي: تلاصقوا حتى لا يكون بينكم فرجة، وهو رص البناء إذا لصق بعضه ببعض (انظر: حاشية السندي على سنن النسائي).
ففي هذين الحديثين فوائد منها:
1- وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، والأصل في الأمر للوجوب إلا لقرينة كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أو ليخالفن الله بين قلوبكم» فإن هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب (انظر: ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة).
2- أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب وحافة القدم بالقدم؛ لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضى الله عنهم حين أُمروا بإقامة الصف والتراص فيها (انظر: ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة).
وعلى الإمام أن يأمر المأمومين برص الصفوف والتراص فيها وأن يساوي بعضهم بعضًا، وأن يتقاربوا في الصف، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ فعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رصُّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق»(رواه أبو داود).
وإذا رأى الإمام أن أحد الصفوف لم يكتمل فعليه أن يأمر المأمومين بالتراص وإكمال الصف؛ فلا يشرعون في الصف الثاني حتى يتموا الصف الأول، ولا في الثالث حتى يتموا الثاني وهكذا، ويتلاحقون حتى لا يكون بينهم فرج.
فعن جابر بن سمرة قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟» قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: «يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف» (رواه مسلم).
ماذا يقول الإمام عند تسوية الصف؟:
عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عواتقنا ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (رواه مسلم).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر لفظ: «استووا» ثلاثًا، وذلك قبل تكبيرة الإحرام والشروع في الصلاة؛ فعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «استووا، استووا، استووا، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم بين يدي»(رواه الإمام أحمد).
فعلى الإمام أن يأمر المأمومين بسد الخلل الذي يكون في الصف والمحاذاة بين المناكب وأن يلين كل واحد لأخيه حتى يدخل في الصف.
فعن ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفًا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله»(رواه أبو داود).
ومن ألفاظ التسوية: «استووا، اعتدلوا، أقيموا الصف، سدوا الخلل، لا تذروا فرجات للشيطان، أتموا الصف الأول بالأول» (انظر: بكر أبو زيد، لا جديد في أحكام الصلاة).
كيف يسوِّي الإمام الصف:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوِّم الصفوف بنفسه فإذا رأى رجلًا خارجًا عن الصف أمره بالاعتدال في الصف؛ فعن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوِّينا في الصف كما يقوم القدح حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا، أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدره فقال: «لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم»(رواه البخاري ومسلم).
وعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحيته إلى ناحيته يمسح مناكبنا وصدورنا ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» وكان يقول: «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المقدمة» (رواه أبو داود).
ففي تسوية الصفوف ثلاث سنن:
1- استقامة الصف وإقامته، وتعديله بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شيء منه على من هو جنبه فلا يكون فيه عوج.
وتضبط استقامة الصف بالأمر بالمحاذاة بين الأعناق والمناكب والركب والأكعب.
2- سد الخلل، بحيث لا يكون فيه فرج.
وضبط هذه السنة بالتراص: تراصوا.
3- وصل الصف الأول فالأول وإتمامه (انظر: بكر أبو زيد، لا جديد في أحكام الصلاة).
وبين ذلك سنن من السنن المهجورة مثل: الدعاء والاستغفار للصف المتقدم ثلاثًا، وإتيان الإمام إلى ناحية الصف لتسويته وإرسال الرجال لتسوية الصفوف إلى غير ذلك من الهدي النبوي في سبيل تحقيق هذه السنن الثلاث للصف: استقامته، وسد خلله، وإتمام الأول فالأول.
وكل هذا يدل على ما لتسوية الصفوف من شأن عظيم في إقامة الصف وحسنها وتمامها وكمالها، وفي ذلك الفضل والأجر وائتلاف القلوب واجتماعها.
قال النووي: والمراد بتسوية الصفوف إتمام الأول فالأول وسد الفرج، ويحاذي القائمون فيها بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شيء منه على من هو بجنبه، ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول ولا يقف في الصف حتى يتم ما قبله (المجموع).
وقال الشيخ محمد بن العثيمين: والواجب على الإمام أن يصبر ويعود الناس على تسوية الصف حتى يسووا الصفوف (الشرح الممتع).
وتسوية الصفوف تشمل عدة أشياء منها (الشرح الممتع وما بعدها بتصرف):
1- المحاذاة، وهذه على القول الراجح واجبة.
2- التراص في الصف؛ فإن هذا من كماله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، ويندب أمته أن يُصَفُّوا كما تُصَفُّ الملائكةُ عند ربها، ويكمِّلوا الأول فالأول (رواه مسلم).
والمراد بالتراص ألا يدَعوا فرجًا للشيطان، وليس المراد بالتراص التزاحم؛ لأن هناك فرقًا بين التراص والتزاحم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تراصوا ولا تدعوا فرجات للشيطان» (رواه أبو داود وأخرجه الحاكم في صحيحه).
أي: لا يكون بينكم فرج يدخل منها الشيطان؛ لأن الشياطين يدخلون بين الصفوف كأولاد الضأن الصغار من أجل أن يشوشوا على المصلين صلاتهم.
فعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رصوا صفوفكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأكتاف فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف» (رواه أبو داود وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان في صحيحه، والخذف: غنم سود صغار تكون باليمن انظر: رياض الصالحين).
3- إكمال الأول فالأول فلا يشرع في الصف الثاني حتى يكمل الصف الأول ولا يشرع في الصف الثالث حتى يكمل الثاني وهكذا، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى تكميل الصف الأول، فقال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا أن يستهموا عليه لاستهموا»(رواه البخاري ومسلم).
ومن لعب الشيطان على كثير من الناس اليوم أنهم يرون الصف الأول ليس فيه إلا نصفه ومع ذلك يشرعون في الصف الثاني، ثم إذا أقيمت الصلاة وقيل لهم أتموا الصف الأول جعلوا يلتفتون مندهشين وكل ذلك في الحقيقة سببه الجهل العظيم، وبعض الأئمة لا يبالي بتسوية المأمومين وتراصهم في الصفوف.
4- التقارب فيما بينها، وفيما بينها وبين الإمام، لأنهم جماعة وكلما قربت الصفوف بعضها إلى بعض وقربت إلى الإمام كان أفضل وأجمل ونحن نرى في بعض المساجد أن بين الإمام وبين الصف الأول ما يتسع لصف أو صفين فيكون الإمام يتقدم كثيرًا.
فالسنة للإمام أن يكون قريبًا من المأمومين وللمأمومين أن يكونوا قريبين من الإمام وأن يكون كل صف قريبًا من الصف الآخر.
5- محاذاة الكعبين بعضها ببعض، لا رءوس الأصابع وذلك لأن البدن مركب على الكعب والأصابع تختلف الأقدام فيها، فهناك القدم الطويل وهناك القدم الصغير، فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعب.
وإلصاق الكعب بعضها ببعض وارد عن الصحابة رضى الله عنهم ؛ فإنهم كانوا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضها ببعض؛ أي أن كل واحد منهم يلصق كعبه بكعب جاره لتتحقق المحاذاة وتسوية الصف (انظر: الشيخ محمد بن العثيمين، فتاوى أركان الإسلام).
ومن المؤسف اليوم أن هذه السنة في تسوية الصفوف قد تهاون بها كثير من المسلمين؛ بل أضاعوها إلا القليل منهم.
وإنني أهيب بالمسلمين - وبخاصة أئمة المساجد - اتباع سنة نبينا محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم، وأن يعملوا السُّنَّة ويحرصوا عليها ويدعوا الناس لها حتى يجتمعوا عليها جميعًا، وبذلك ينجون من تهديده صلى الله عليه وسلم بقوله: «أو ليُخالفن الله بين قلوبكم» (رواه أبو داود وإسناده حسن).
وهناك مسألة لابد من التطرق لها ألا وهي:
إذا كان يمين الصف أكثر من يساره فهل يطلب من الجماعة تسوية اليمين مع اليسار؟
أجاب عن هذه المسألة الشيخ محمد بن العثيمين - رحمه الله - فقال: إذا كان الفرق واضحًا فلا بأس أن يطلب تسوية اليمين مع اليسار لأجل بيان السنة؛ لأن كثيرًا من الناس الآن يظنون أن الأفضل اليمين مطلقًا، حتى إنه ليكمل الصف أحيانًا من اليمين وليس في اليسار إلا واحد أو اثنان (الشرح الممتع).
رابعًا: الوقوف وسط المأمومين:
السنة أن يتوسط الإمام الصف، فيقف مقابلاً منتصف الصف، فتبدأ الصفوف من خلف الإمام لا من يمين المسجد ولا من يساره كما يفعل البعض، بل من خلف الإمام، ثم يكمل الصف على اليمين واليسار معًا محافظة على السنة في توسيط الإمام.
وعلى هذا فمن كان على يمين الصف فإنه ينظر إلى يساره ويحاذي من على يساره، ومن كان على يسار الصف فإنه ينظر إلى يمينه ويحاذي من على يمينه (انظر: بكر أبو زيد، لا جديد في أحكام الصلاة).
لحديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وسطوا الإمام وسدوا الخلل» (رواه أبو داود).
قال الإمام أحمد: يستحب أن يقف الإمام في مقابلة وسط الصف ويكره أن يدخل في طاق القبلة إلا أن يكون المسجد ضيقًا (ياسر الكبيسي، أحاديث الإمامة والخطابة في الكتاب والسنة).
خامسًا: انتظار المأموم في الركعة الأولى:
يستحب للإمام أن يطيل في الركعة الأولى في جميع الصلوات، وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائمًا، وأما غيرها فإن كان يرتجي كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا (انظر: ابن حجر، فتح الباري).
قال عطاء: إني لأحب أن يطيل الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس (انظر: ابن حجر، فتح الباري).
فعن أبي قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانًا، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، وكذا في الصبح (رواه البخاري ومسلم).
وعن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع القدم (رواه أبو داود) .
قال الحنفية: السنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل، وتكون في الصبح أطول وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، قالوا: الحكمة في إطالة الصبح والظهر أنهما في وقت غفلة بالنوم والراحة؛ فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها (ياسر الكبيسي، أحاديث الإمامة والخطابة).
مختارات