" مستحق الإمامة "
" مستحق الإمامة "
أولى الجماعة بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله تعالى ثم أفقههم في دين الله، ثم الأكثر تقوى، ثم الأكبر سنًا، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وبه قال ابن سيرين وأصحاب الرأي (النووي، شرح مسلم والشوكاني، سبل السلام).
ولقد تضافرت النصوص من السنة في ذلك، ومنها:
1- عن أبي مسعود الأنصاري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا (وفي رواية مكان سلمًا: سنًا)، ولا يؤمن الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» (رواه مسلم).
قَدَّم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأقرأ لكتاب الله على الأعلم بالسنة، والأفقه، والأقدم هجرة، والأكبر في السن.
قال النووي: وفيه دليل لمن يقوم بتقديم الأقرأ على الأفقه (شرح صحيح مسلم).
2- عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» (رواه مسلم).
ففي قوله صلى الله عليه وسلم: «وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» دليل على أن الأقرأ هو الأحق بالإمامة من غيره.
واختلف في معنى الأقرأ: قيل: المراد أحسنهم قراءة وإن كان أقلهم حفظًا، وقيل: أكثرهم حفظًا للقرآن الكريم (الشوكاني: نيل الأوطار).
3- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: لما قدِم المهاجرون الأولون العصبة – موضع بقباء – قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا (رواه البخاري).
إمامة سالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنهما - بالمهاجرين الأولين، وهو أقرؤهم فيه دليل على تقديم الأقرأ.
قال الحافظ ابن حجر: وكان أكثرهم قرآنًا، إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه (فتح الباري).
وقال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور: يؤمهم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة؛ لأنه قد ينوبه ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه (ابن قدامة: المغني).
قال النووي: الأفقه مقدَّم على الأقرأ؛ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الباقين مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه (شرح صحيح مسلم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أقدمهم هجرة» فيه دليل على أن الهجرة سبب في التقديم للإمامة، ولا تختص الهجرة بعصر الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما وردت به الأحاديث وقال به الجمهور؛ لأن القدم في الهجرة يقتضي التقديم (شرح صحيح مسلم بتصرف).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤم الرجل في سلطانه أو في بيته» معناه: أن صاحب البيت أو المجلس وإمام المسجد أحق من غيره بالإمامة.
قال النووي: معناه: أن صاحب البيت أو المجلس وإمام المسجد أحق من غيره وإن كان الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق، فإن شاء قدم من يريده وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة إلى باقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف يشاء (شرح صحيح مسلم).
مختارات