" أسباب هيجان الغضب وطرق علاجه "
" أسباب هيجان الغضب وطرق علاجه "
اعلم رحمك الله، أن أسباب الغضب كثيرة منها العُجب فطالما كان المرء معجباً بنفسه فإنه لا يحب أن يمسه ما يقدح فيه ولو كان لأدنى شيء وبما أنه معجباً بنفسه فيكون مستصغراً لغيره فيصبح سريع الغضب قليل الحلم أو معدومه.
ومن أسبابه:
المزاح، والمقصود كثرته على غير اللائق، فكم من مزاح في بداية أمره انقلب إلى ضده في آخره، ومنه المماراة والمضاهاة، والغدر، والسب، والغش، والخيانة، وغيرها.
وأما علاجها:
فباختصار سأذكرها كما ذكرها ابن الجوزي رحمه الله يقول: فمنها أن يتفكر الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ، والعفو والحلم، والاحتمال كما جاء عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجل استأذن علي عمر رضي الله عنه: فأذن له فقال له: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزاء ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه: " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " (سورة الأعراف الآية رقم (199)) وإن هذا من الجاهلين، فو الله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل.
والثاني: أن يخوف نفسه عقاب الله تعالى، وهو أن يقول: قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الرجل، فلو أمضيت فيه غضبي، لم آمن أن يمضي الله عز وجل غضبه على يوم القيامة، فأنا أحوج ما أكون إلى العفو، فارحم ترحم، واغفر يغفر لك.
والثالث: أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب وأنه يشبه الكلب الضاري، والسبع العادي، وأنه يكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء في عاداتهم لتميل نفسه إلى الإقتداء بهم ينبغي للمؤمن أن يكظم غيظه، فعند ذلك يعظمه الله تعالى، وما له وللناس، أفلا يحب أن يكون هو القائم يوم القيامة، إذا نودي ليتم من وقع أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا، فهذا وأمثاله ينبغي أن يمرره على قلبه.
وأخيراً يعلم أن غضبه إنما من شيء جرى على وفق مراد الله، لا على وفق مراده، فيكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى، هذا ما يتعلق بالقلب، وأما العمل، فينبغي السكون، والتعوذ بالله، وتغيير الحال فإذا كان واقفا جلس، وإن كان جالسا اضطجع، وقد أُمرنا بالوضوء عند الغضب، لأن الغضب من الشيطان وهو من نار، وإنما تُطفأ النار بالماء كما في الحديث، وأما الجلوس والاضطجاع فيمكن والله أعلم أن يكون، إنما أُمر به ليقرب من الأرض التي خُلق منها ويتذكر أنها أصله فيذل، ويمكن أن يكون لتواضع لذله لأن الغضب ينشأ من الكبر. أ.هـ بتصرف قليل وإنما الكلام المذكور كله على الغضب الذي سببه الدنيا لا الدين، وكذلك الهجرة وغيره مما ذكر، وأيضاً لا يعني ما ذكرناه من فضل العفو وما جاء فيه، وما ينبغي أن يكون عليه حال الغضب لا يعني أن يسب المسلم ويمتهن لأنه يعفوا ويحلم، لا، هذا أمر يرده الشرع والعقل، ومن المعلوم أن الإنسان يأثم بسبه لأخيه واعتدائه عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام، «إيذاء المسلم فسوق وقتاله كفر»(متفق عليه ) ويقول عليه الصلاة والسلام «أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال عليه الصلاة والسلام «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه ثم طرح في النار»(رواه مسلم ).
مختارات