" هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح وأقوالهم في العفو والحلم "
" هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح وأقوالهم في العفو والحلم "
تذكر أخي دائماً عفو نبينا وهو أسوتك وقدوتك محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وسبيلهم في ذلك وفي سلوك سبيلهم الفوز والنجاة، فقد هجروا الدنيا بملذاتها وزخرفها ونعيمها، ولقد كانوا أشد الناس عفواً لعباد الله جل وعلا " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً " (سورة النساء الآية رقم (122))و " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا " (سورة النساء الآية رقم (87))فقد قال سبحانه " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " (سورة الفتح الآية رقم (29))ويقول سبحانه: " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ " (سورة المائدة الآية رقم (54)) وأولهم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين، الذي قال فيه سبحانه " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " (سورة القلم الآية رقم (4))ولقد كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس حلماً وأكثرهم عفواً وأسلمهم صدراً، وإليك يا أخي الحبيب بعضاً من أخلاقه ولسوف ترتوي بواحد منها، فمنها حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال عليه السلام «لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على عبد ياليل بن كلالة، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى، سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت طبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا»(متفق عليه )فالله أكبر، يا له من خلق ما أعظمه، وحلم ما أعجبه، وعفو ما أوسعه، فانظر أخي الحبيب إلى نظرته عليه الصلاة والسلام الثاقبة الهادفة، وانظر إلى هوان الدنيا وخستها وتركه لها ولزينتها، فخذ بالعفو وأعرض عن الجاهلين.
وإليك أخي الحبيب موقف آخر من مواقفه عليه الصلاة والسلام يقول أنس رضي الله عنه: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت بها حاشية ردائه من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فضحك ثم أمر له بعطاء(متفق عليه ) فما أعظمه من حلم وعفو وإحسان إلى فحش وقلة عرفان وهذا لا يستغرب منه عليه الصلاة والسلام، تقول عائشة رضي الله عنها: «وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله »(متفق عليه ) ومن المعلوم قصته مع جاره اليهودي وموقفه مع أهل مكة يوم الفتح وغيرها كثير جداً، لكن هل من مقتد هل من ممتثل؟ " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " (سورة الأحزاب الآية رقم (21) )وهكذا كانت أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحكي نبيا من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه، فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»(متفق عليه ).
فهؤلاء خير البشر وصفوتهم، قد أوذوا، وصبروا، وهم خير البشر، فكيف بمن دونهم، ولقد كان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من سلف هذا الأمة أروع الأمثال والمواقف التي بها يتجلى لك عِظمُ صبرهم، وشدةُ حلمهم وقوةُ اقتدائهم بنبيهم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، فهذا رجل يشتم ابن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة وترجمان القرآن، فصبر حتى قضى مقالته، ثم قال: يا عكرمة، أنظر هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى، وأسمع رجل معاوية رضي الله عنه كلاماً شديداً، فقيل له لو عاقبته؟ فقال إني لأستحي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي.
وسأل أبو ذر رضي الله عنه غلامه عندما رأى الشاة تصيح ألماً فقال: من كسر رجل هذه الشاة؟ فقال له الغلام أنا فعلته عمداً لأغيظك، فتضربني فتأثم، فقال لأغيظن من حرضك علي غيظي فأعتقه، وشتم رجل عدي بن حاتم وهو ساكت، فلما فرغ من مقالته، قال: إن كان بقي عندك كلام فقل، قبل أن يأتي رجال الحي، لأنهم إن سمعوك تقول هذا في شيخهم لم يرضوا، ودخل عمر بن عبد العزيز المسجد ذات ليلة والمكان فيه ظلمة فمر برجل فعثر به فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا، فهم به الحرس، فقال عمر: مه إنما سألني أمجنون أنت؟ فقلت لا ولقي رجل علي بن الحسين رضي الله عنه، فسبه فثار عليه العبيد، فقال: مهلاً ثم أقبل علي الرجل فقال: ما سُتر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحي الرجل فألقي عليه قميصه الذي كان عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل يقول بعد ذلك، أشهد أنك من أولاد رسول الله، وقال رجل لوهب بن منبه رحمه الله إن فلاناً شتمك، فقال وهب: وما وجد الشيطان بريداً غيرك.
ويقول عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله: قال أبي، وجه إلى الواثق أن اجعل المعتصم في حل، من ضربه إياي، فقلت: ما خرجت من داره حتى جعلته في حل وذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يقوم يوم القيامة إلا من عفا فعفوت عنه، ويا أخي اعلم أن الإنسان لابد له من خطأ وزلل، وينبغي مقابلة ذلك بالعفو، و إلا ما كان هناك شيء اسمه عفو، يقول اليزيدي عندما أخطأ يعتذر للمأمون:
أنا المذنب الخطاءُ والعفو واسعُ ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
ويروى أن بعض السلف جاء إلى أخيه، فقال: غداً نتعاتب، فقال له لا، بل قل غداً نتغافر.
ويقول جعفر بن محمد، وكان والياً: لأن أندم على العفو أحب إلى من أن أندم على العقوبة، وإليك أخي الحبيب ما يروى عن عيسى عليه السلام، أنه قال: وتأمل لما قال، يقول: لا يحزنك قول الناس فيك، فإذا كان كاذباً كانت حسنة لم تعملها، وإن كان صادقاً كانت سيئة عجلت عقوبتها أ.هـ، ولا يكن أخي الغضب دائماً يعلوك، وتذكر أخي ما يروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: الغضب أوله جنون، وآخره ندم، ولا يقوم الغضب، بذل الاعتذار، وربما كان العطب في الغضب أ.هـ، وقيل للشعبي: بأي شيء يكون سريع الغضب، سريع الفيئة، ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة، فقال: لأن الغضب كالنار، فأسرعها اشتعالاً أسرعها خموداً.
مختارات