" كيف نعالج النميمة "
" كيف نعالج النميمة "
لمعالجة النميمة أمور كثيرة منها:
1- مراقبة الله -تبارك وتعالى-: ولو راقب النمام ربه ما نمَّ؛ لأن الله -تعالى- يرى ويسمع ويعلم، ولا تخفى عليه خافية، لِم لا تراقب الرب -تبارك وتعالى- أيها النمام، وكل شيء مكشوف أمامه؟ ولو راقب النمام ربه لكان من المحسنين ولم يكن من المفسدين.
2- لا نُصدق النمام: لأن الله -تعالى- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقد جاءه رجل يوشي برجل آخر، قال: " إن صَدَقْتَ مَقَتْنَاك وإن كذبت عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك " قال: " بل أقِلني يا أمير المؤمنين "، يقول إن كنت صادقًا مقتناك، أي: بغضناك وكرهناك لأنك نمام، قال: وإن كذبت عاقبناك لأنك كذاب ومفسد، وقال: وإن شئت أقلناك أي عفونا عنك ولعلها المرة الأولى والأخيرة، قال: بل اعف عني يا أمير المؤمنين.
وجاء رجل إلى سليمان بن عبد الملك فقال له سليمان: " لماذا وقعت فيَّ، وقلت فيَّ كذا وكذا؟ " قال: ما قلت ذلك يا أمير المؤمنين، قال: " أخبرني فلان أنك قلت ذلك وهو صادق "، قال الزهري -والزهري إمام من أئمة الحديث والفقه-: " يا أمير المؤمنين، النمام لا يكون صادقًا أبدًا " قال: " صدقت " ثم عفا عن هذا الرجل.
لماذا لا تتبين إذا جاءتك الأخبار من أحد النمامين، أو على الأقل نقفل على هذا النمام، ولا نصدقه، إنما يريد الوشاية بك.
3- إنكار المنكر عليه: فإنه قد جاء بمنكر وما دام جاء بمنكر فيجب أن ننكر عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ويجب أن ننصحه فإن الدين النصيحة، وأن نبين له خطورة العمل الذي يعمله، وأن نعيب عليه هذا الفعل الذي فعله وأنه لا يليق به.
4- أن نبغض النمام في الله: لأنه جاء بمعصية وموبقة وكبيرة، توعَّده الله بويل وتوعده النبي صلى الله عليه وسلم بالنار، وفرَّق بين المجتمع، وأفسد بين الإخوة، وأفسد بين الأحباب، فكان بذلك من المفسدين وقد قال الله- عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77]، وديننا يحثنا على أن نحب في الله ونبغض في الله، والنمام عاصٍ يبغَض في الله تعالى.
5- أن توقن بأن من نمَّ إليك نمَّ عنك: فهو ينقل أخبارًا فقط، ينقل إليك وينقل عنك، فينبغي عليك أن تقفل عليه الباب، حتى لا يتضرر المجتمع منه، ولا يتضرر من نم إليه ثم هو لا يتضرر.
6- ألا تظن بأخيك سوءًا: وينبغي أن تبني ظنك بالمسلمين على الخير، ولا تبنيه على الشر، وأن تذُبَّ عن أعراض إخوانك المسلمين، وأن تعلم ثواب من ذبَّ عن عِرض أخيه المسلم؛ لأن بعض الظن إثم، ولا ينبغي أن تسيء الظن بإخوانك المسلمين بمجرد الأقاويل التي جيء بها إليك، كم من أناس ظُنَّ بهم سوءًا فتبين خلاف ذلك، قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
وجاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز ووشى برجل آخر، قال عمر بن عبد العزيز: " إن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: 11]، وإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، وإن شئت أن نعفو عنك عفونا عنك "، قال: " اعف عني يا أمير المؤمنين ".
7- ألا تتجسس على عورات إخوانك المؤمنين: لأن الله نهى عن التجسس، ونهى عن تتبع عورات أخيك المسلم فيتتبع الله عورتك، ثم يفضحك في جوف دارك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ولا تحسسوا ولا تجسسوا».
8- وأخيرًا لا ينبغي أن تنقل النميمة من النمام: فتكون نمامًا لنقلك لها، وقد أورد علماء السير قصة لمولى من الموالي عبد من العبيد، كان سيده يطوف به في الأسواق ليبيعه وكان الناس عندهم نصح يظهرون عيب السلعة، ولا يغشون الناس بها، ولذلك بارك الله لهم في أموالهم وفي أعمارهم وأولادهم وأوقاتهم؛ لأنهم بنوا حياتهم على النصح وعلى الأمانة، وهذا الرجل كان عنده هذا العبد (الرقيق) وعرضه في الأسواق من أجل أن يبيعه، وسامه إنسان قال: هل فيه من عيب؟ قال: نعم، قال: ما عيبه؟ قال: عيبه أنه نمام، قالوا: ما دام أن عيبه نمام إذا لا يصلح لأمرين: أولاً: لأنه نمام، ثانيًا: لأنك ما بعته من حسنه، وإنما بعته من سوئه.
لكن يوم من الأيام عرضه في السوق فجاءه رجل، فقال: ما عيبه؟ قال له: عيبه أنه نمام، قال: نمام فقط؟! قال: نعم، قال: هين، النميمة هيّنة ! لكنها والله أودت بحياته وحياة زوجه وحياة عشيرتيهما، يقول: هذه النميمة هينة، لا والله ما هي بهينة فالذي يستهين بها يعاقب.
فاشترى النمام، وبقي عنده فترة من الزمن، وكان يتألف سيده ما بين وقت وآخر، لكن الصفة الذميمة الموجودة فيه من قديم الزمان أخذت تحركه جاء إلى سيدته فقال لها: أما علمت؟ قالت: وما الذي حصل؟ قال: زوجك يريد أن يتزوج عليك-وهذه قاصمة الظهر عند النساء، ومن الطريف أن رجلا قال لزوجته إنه تزوج فحرنت حزنًا شديدًا ومضى بها إلى أهلها على أنها ساخطة عليه، ولما قرب من أهلها قال: لم أتزوج، ففرحت المرأة فقال لها: ولكن أباك مات، قالت: هين، ما دام لم تتزوج فالأب غفر الله له.. قاصمة الظهر عند النساء أن يتزوج الرجل على زوجته- المهم أنه جاءها من مدخل الضعف، من أجل تبذل كل ما في وسعها، وقال لها: زوجك يريد أن يتزوج عليك، قالت: ما الحيلة؟ ماذا أفعل؟ قال هذا النمام لها- قاتل الله النمامين-: أريد أن تعطيني شعرة من حلقه، مع أن فيه شعرًا آخر، لكن قال من حلقه وأسحِره لك حتى لا يتزوج عليك، ومن الناس من ضيَّع دينه وما علِمتْ أن الرضى بالسحر كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم قالت: سأفعل عندما ينام سآخذ السكين وآخذ شعرة واحدة من حلقه، فذهب إلى زوجها، قال: زوجتك اتخذت عليك صديقًا تحبه ويحبها، قال: كيف عرفت ذلك؟ قال: إذا أنت نمت جاءت بالسكين من أجل أن تذبحك وتتخلص منك، قال: سأنظر وأرى فتناوم الزوج، فجاءته الزوجة تظن أنه نام تريد أن تأخذ شعرة من حلقه، فلما رآها أقبلت نحوه وهوت بالسكين إلى حلقه قام وقال: صدق، ثم أخذ السيكن منها وذبحها.
هدم النمام بيتًا، نعم والله لقد هدم بيتًا، البيت يقوم على ركنين: الزوج والزوجة، هدم هذا النمام الركن الأول، ثم جاء أهل الزوجة فذبحوا الزوج، وبذلك هدم ركني البيت، ثم احتدم القتال بين قبيلتي الزوج والزوجة بسبب هذا النمام، فعلى المسلم أن يتنبه لهذا الخطر، وأن يحارب هذا الداء العضال الذي فرَّق بين الأحبة.
مختارات