الوهاب
أولا / المعنى اللغوي:
وهب فلانا شيئا أي أعطاه إياه بلا عوض أو مقابل، والاسم (واهب) فإذا كثرت سمي صاحبها (وهابا)
و(الوهاب) اسم من أسماء الله الحسنى على وزن صيغة المبالغة (فعال)
المعنى في حق الله تعالى:
5- (الوهَّاب) هو الذي يهب العطاء دون عِوَض ويعطي الحاجة بغير سؤال، كثير النعم، دائم العطاء.
ثانيا / وروده في القرآن الكريم:
ورد اسم (الوهاب) ثلاث مرات في القرآن:
1- قال تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) آل عمران: 8
2- و (أم عندهم خزائن رحمه ربك العزيز الوهاب) ص 9
3- و(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
ثالثا / تأملات في رحاب الاسم الجليل:
قد يحسن البعض إلينا إما بهدية أو يسدي جميلا أو يصنع معروفا أو يقضي حاجة ؛ فيجد الإنسان منا نفسه معبرا له عن امتنانه وشكره بكلمات معبرة عن اعترافه بهذا الجميل، فما بالنا بالله الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة فالوهاب سبحانه ليس كمثله شيءٌ في هباته وذلك من وجوه:
أولاً: الله تبارك وتعالى هو الوهاب بحق إذ هو الذي يهب ما يملك، كما أنه هو الذي يعطي بلا مقابل ولا ينتظر الرد.
لأنه خالق الهبات، فما من أحد من خلق اللَّه يهب هبةً إلا وهو محتاج إلى شيءٍ موجود مخلوق ليهبه، وما خلق هذه الهبات وغيرها إلا اللَّه تبارك وتعالى، والناس يهبون من هبات اللَّه، واللَّه يعطي من هباته هو ومن صُنع يده. قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ).أما هبة المخلوق فهي هبة مجازية لأنه يهب ما هو موهوب له من الله عز وجل.
ثانيًا: الله سبحانه يهب بغير عوض ولا غرض:فكل من يهب شيئًا لغيره من الخلق فإنما يهبه لغرض في نفسه، ومقابل يرجوه، فإن لم يكن الواهب يبغي من هبته مقابلا دنيويا فإنه لا محالة يبغي جزاء الآخرة.
والحق سبحانه وتعالى لا ينال من عطائه للعباد أي مقابل على الإطلاق.. وإن قيل إنه جل شأنه يبغي من هذا العطاء أن يعبد مصداقا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإننا نقول: إن هذه العبادة التي تعبدنا بها ليست مقابلا لعطاياه جل وعلا لأنه الغني عما سواه على الإطلاق، ولا حاجة به لغيره في وجوده ولا في بقائه وفي ذلك يقول عز وجل: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ وما ذلك على الله بعزيزٍ) سورة فاطر 15،16،17
ثالثًا: كثرة هباته وعظمتها:فإن الناس وإن وهبوا فتكون هباتهم قاصرة ضعيفة، فقد يهب الرجل مالاً أو نوالاً، ولكن هل يستطيع أن يهب شفاءً لسقيم، أو ولدًا لعقيم؟ لا يقدر على ذلك وغيره إلا اللَّه وحده. قال تعالى: { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ }.
رابعًا: اللَّه عز وجلَّ هو الوهاب على الحقيقة:وكل الناس واهبين على المجاز أي لا يملكون العطاء إلا لمن أراد اللَّه، فالوهَّاب في حقيقة الأمر وأصله هو اللَّه، ولكن يجعل لذلك أسبابًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللَّه لك).
وحين جاء جبريل عليه السلام إلى مريم عليه السلام قال لها: { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا }، أي: أن الوهاب على الحقيقة هو اللَّه، ولكن جبريل هو الذي تجري الهبة على يديه فيكون واهبًا على المجاز.
خامسًا: عموم هباته وشمولها للخلق جميعًا:فإن العبد إن وهب غيره فإن هباته تكون خاصة بشخص دون آخر أو بجماعة دون غيرهم، ولكن اللَّه عز وجل وهب خلقه جميعًا البر منهم والفاجر، المؤمن والكافر، فما من أحد إلا وهو يتقلب في نعمه وينعم في هباته. قال تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى).
سادسًا: الحكمة في الهبة:فإن الناس قد يهبوا من لا يستحق أو من تضره الهبة، فيضروه من حيث أرادوا نفعه، أمَّا اللَّه عزَّ وجلَّ فإنه حكيم فيما يهب ولمن يهب عليم بمن يستحق خبير بمن تصلحه الهبات ممن تفسده، ولذلك فإنه لا يملك الهبة والنفع بها إلا الله وحده.
سابعا: نعم الله لا تعد ولا تحصى:والمولى عز وجل كما أخبر عن نفسه: (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) 9 ص
- فحين خلقنا عز وجل من العدم كان ذلك هبة منه جل وعلا.
- فبدن الإنسان هبة، وعقله هبة، وسمعه هبة، وبصره هبة، وقلبه هبة.
- الكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان.. فالهواء الذي نتنفسه هبة.. الماء الذي نشربه هبة.. والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة.. والدواب التي تحملنا إلي الأماكن المتباعدة هبة.. الشمس التي تمدنا بالدفء والضوء هبة.. القمر الذي نسير على أشعته ليلا هبة منه تبارك وتعالى.
- الرسالات السماوية التي يرسلها ليهدينا بها إلي سواء السبيل هبة منه جل وعلا.
- الهداية والانتقال من الكفر إلي الإيمان هبة منه، وفي ذلك يقول جل شأنه:
(ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم) سورة النور 21
- الزوج هبة من الله عز وجل لزوجته، والزوجة هبة لزوجها قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان: 74.
وقال تعالى عن نبيه زكريا عليه السلام: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) الأنبياء: 90.
- والأهل هبة:قال تعالى في نبيه أيوب عليه السلام: { ووهبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا } ص 32
- والأطفال هبة للوالدين وفي ذلك يقول جل وعلا: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور " " أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) 49، 50 سورة الشورى
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } الأنبياء 76 وقال عز وجل عن نبيه داود عليه السلام: { وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ص 3.
وقال جل وعلا عن نبيه زكريا: { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى } الأنبياء: 90
ولو استقصينا الأدلة التي تتحدث عن هبات اللَّه جل جلاله في القرآن والسنة لا نكاد نحصيها كثرة وتعددًا وتنوعًا واختلافًا من كثرتها وتعددها واختلافها، فما من مخلوق أُعطي رزقًا إلا والله هو الذي أعطاه، وما من عبدٍ وُهِبَ نعمة إلا والله هو الذي وهبه.
ثمار الإيمان بالاسم الجليل:
1- أن (الوهاب) على الحقيقة هو اللَّه وحده،فإن كل من يهب شيئًا من الخلق إنما يهب من هبات اللَّه له، فلا بد أن يهبه اللَّه ليَهَب، وأن يُعطيَه اللَّه ليُعطي، وأن يَرْزُقه اللَّه ليَرْزُق، أما اللَّه فإنه يُطِعِم ولا يُطعم وهو يجير ولا يُجار عليه،قال تعالى: { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } النحل: 53
.
2- دعاء اللَّه باسمه الوهاب:وهذه ثمرة معرفة اللَّه بهذا الاسم الطيب رجاؤه وسؤاله من هباته وواسع فضله سبحانه وبحمده، فمن نظر إلى واسع كرمه وجليل نعمه طمع في رحمته، وخير من عرف اللَّهَ هم الأنبياءُ الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فانظر إلى نبي اللَّه إبراهيم عليه السلام وهو يسأل الله عز وجل الحكم والصلاح، فيقول: { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } الشعراء: 83.
وتأمل نبي الله سليمان عليه السلام وهو يسأل المُلك فيقول: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } ص: 35 .
وانتبه إلى دعاء نبي الله زكريا عليه السلام وهو يسأل الولد فيقول: { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } آل عمران: 38.
وقد سار الصالحون على درب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فتراهم يقولون: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) آل عمران: 8
3- العلم بأن الهبة ليست مجرد عطاء:فإن العطاء لا يكون هبة حتى يكون مقرونًا بطاعة وخير وبركة في الدنيا والآخرة. وهذا معنى قوله تعالى: { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } آل عمران: 8.
فقد علَّم اللَّه أولياءه كيف يسألونه الإنعام والإحسان على وجه لا يكون فيه مكر ولا استدراج، كما فعل بالكفار حين خلق لهم ومكنَّهم مما فيه ضررهم وهلكتهم، وقد كان الأنبياء عليهم السلام يسألون ربهم تبارك وتعالى الهبات المقرونة بالمغفرة، كما قال تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا } ص: 35.
ونبي اللَّه زكريا عليه السلام لم يسأل مجرد الولد والذرية ولكنه سأل وليًا للَّه صالحًا ؛ إذ قال: { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا } مريم: 5
وقد وصف اللَّه عباد الرحمن فكان من دعائهم: { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } الفرقان: 74.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يَعْنُونَ من يعمل بطاعة اللَّه فتقرَّ به أعينهم في الدنيا والآخرة.
فهم لا يسألون مجرد زوجة، بل يسألون الصالحة منهن وهذا ما يسعدهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)
ولا يسألون مجرد الولد والذرية، ولكنهم يسألون أولادًا عُبَّادًا زُهَّادًا، صالحين قانتين، من الأبرار ليسوا من الفجار، علماء ليسوا من الجهلاء.
4- شكر اللَّه على هباته: من رأى هبات اللَّه لا يسعه إلا أن يسبح بحمده تبارك وتعالى، كما قال خليل الرحمن عليه السلام حين وهبه اللَّه ولديه إسماعيل وإسحاق: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ } إبراهيم: 39
6- الرضا:الرضا إذا أُعطِي والرضا إذا مُنع: إن أُعِطيَ علم أن اللَّه عزَّ وجلَّ قد أعطاه برحمته، وإن مُنِع علم أنّ الله تبارك وتعالى قد منعه بحكمته، ولا يكون كعبد الدينار والدرهم، فإنه لا يرضى إلا للدنيا ولا يسخط إلا لها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أُعطي رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ لم يَرْضَ).
7- إذا آمنا أن الله هو الوهاب يعطي عباده بحكمة ويمنع لحكمة فمعنى ذلك ألا نحسد أحد على ما آتاه الله من فضله.
8-الصبر عند المصيبة وضياع النعم والهبات:فقد يكون المنع هو عين العطاء، فإن ابتلاك اللهُ بالحرمان من نعمة بأن صرفها عنك أو أخذها بعد أن وَهَبَك إياها فلا بد وأن هناك حكمة من ذلك، فاصبر لحكم ربك فمن أعظم ما يُسلي العبد ويُصبِّره إرجاعه الأمر لصاحبه وتسليمه المُلك لمالكه ويعلم أنه لا حق له في النعم، ولله أن يعطي ويمنع ويقبض ويبسط ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.
9- الزهد في الدنيا: هل رأينا هبة من هبات الدنيا قد بقيت لصاحبها؟ فليعلم كل من وهبه اللَّه شيئًا من الدنيا أنه زائل عنه ولا بد، فكما أخذه لابد أن يذهب عنه، فلا ينشغل بالخلق عن خالقه، ولا بالرزق عن رازقه، ولا ينشغل بالهبة عن واهبها تبارك وتعالى، ولا يشغله الفاني عن الباقي. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
. وقال تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } الرحمن: 26، 27.
مختارات