ملامح النظام الاقتصادي في القرآن
تكتسب الشؤون الاقتصادية، وقضايا المال ونظام المعيشة، أهمية خاصة في الشريعة الإسلامية، وفي الفكر والثقافة الإسلامية، لأهميتها في حياة الإنسان، واستقرار المجتمع، وتطور المجالات الحياتية الأخرى.
لذا حددت الرسالة الإسلامية أسس المذهب الاقتصادي في الإسلام، وثبّتت معالمه وأخلاقيته من خلال القوانين والأحكام، والمفاهيم والأخلاق المتعلقة بالعمل والإنتاج والإنفاق والاستهلاك، والتعامل مع المال والثروة.
فقد وردت في القرآن الكريم عشرات الآيات، كما وردت مئات الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة التي تنظم شؤون المال والاقتصاد والمعاش. واعتمدها الفقهاء كأسس لاستنباط القوانين والأحكام، كما اعتمدها المفكرون لاستنباط النظرية الاقتصادية، وتحديد هوية الاقتصاد الإسلامي.
فالنظام الاقتصادي في الإسلام يقوم على الأسس الآتية:
أولاً ـ اعتبرت الشريعة الإسلامية العمل والإنتاج من مهام الإنسان الأساسية، وعدته واجباً لتحقيق المستوى اللاّئق من العيش، ولتوفير مستلزمات الحياة الخاصة بالفرد، وبمن هو واجب النفقة عليه كالأبناء الصغار والزوجة والأبوين اللذين ليس لهما مورد للعيش، وبالتكاليف المالية الواجبة عليه، كقضاء الدينمثلاً.
فقد أمر القرآن الإنسان بالعمل والإنتاج في قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(15) } الملك
وقال تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(10) } الجمعة
ثانياً ـ احترام الملكية الفردية، قال الله تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(188) } البقرة
وقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).
فقد وضعت الشريعة الإسلامية القوانين اللاّزمة لحماية الملكية.
فللإنسان حق العمل والإنتاج والتملك، والإنفاق والتصرف بماله وفق القيم التي حددتها الشريعة، كما وله حقّ التملّك أيضاً عن طريق الميراث الذي ينتقل إليه من ذوي العلاقة به، كالآباء والأجداد والجدات، والأبناء والزوج والزوجة والإخوان والأخوات.. الخ وعن طرق مشروعة أخرى كالهبة والوقف.. الخ.
ثالثاً ـ أثبتت الشريعة الإسلامية الملكية العامة كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس شركاء في ثلاث الكلأ والماء والنار) وهي ما تسمى اليوم بالمرافق العامة والمرافق العامة تشمل المعادن جامدة وكالذهب والنحاس أو سائلة كالنفط والأنهار والبحيرات والغابات وغيرها فلا يجوز لأحد أن يمتلكها لأن ملكيتها عائدة للدولة.
رابعاًً ـ تكفلت الشريعة الإسلامية بتحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع الإسلامي، والحيلولة دون إثراء طبقة على حساب الآخرين وحرمانهم. فحرَّمت الاحتكار والربا والتلاعب بالأسعار والأجور.
حدد القرآن هذه المبادئ بقوله تعالى:{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7) } الحشر
وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34) } التوبة
وقوله تعالى: { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(19) } الذاريات
خامساً ـ أوجبت الشريعة الإسلامية فريضة الزكاة وقرنها القرآن بالصلاة، قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ(43) } البقرة
سادساً ـ وضعت الشريعة الإسلامية أسساً وقيماً لتنظيم الإنتاج والتوزيع والادخار والاستهلاك والإنفاق للحفاظ على استقرار اقتصاد الفرد والمجتمع والدولة، وتجنب المخاطر السياسية والأمنية والصحّية والاجتماعية..
سابعاً ـ أقرت الشريعة الإسلامية مبدأ الكفالة والضمان.
فالأفراد في المجتمع الإسلامي يتحمّلون مسؤولية التضامن فيما بينهم لمواجهة الفقر والحاجة.جاء ذلك في قول الله تعالى:
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(19) } الذاريات
والثمرات التي يجنيها المجتمع من هذه الأسس هي:
أولاً ـ إتقان في الإنتاج وازدهار في الاقتصاد بشعور الفرد أن الذي يجنيه يعود نفعه عليه بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام.
ثانياً ـ تثبيت دعائم الأخلاق الثابتة في ربوع المجتمع لأن الإسلام غرس في نفس المسلم المراقبة لله وربى ضميره على الخشية منه.
ثالثاً ـ حفظ المجتمع من الجرائم الاجتماعية وإزالة الفوارق الكبيرة بين الناس وإزالة أسباب الكراهية والحقد التي تكون بين الأغنياء والفقراء.
* أهم المصادروالمراجع:
ـ إسهامات الفقهاء في علم الاقتصاد: للدكتور رفيق المصري.
ـ التكافل الاجتماعي: للدكتور عبد الله علوان.
ـ سنن ابن ماجة: لأبي عبد الله القزويني.
ـ المسند: للإمام أحمد بن حنبل.
مختارات