" المواعظ في الاستغفار "
" المواعظ في الاستغفار "
أخي القارئ: الاستغفار إذا كثر من الأمة، وصدر عن قلوب موقنة مخلصة، دفع الله عنها ضروبا من النقم والشرور العامة فعن مالك بن دينار أنه قال: كان الأبرار يتواصون بثلاث: سجن اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة عن القوم.
* وقال عالم: أربعة أشياء من العبد وأربعة من الرب: الشكر من العبد والزيادة من الرب، والطاعة من العبد، والقبول من الرب، والدعاء من العبد، والإجابة من الرب، والاستغفار من العبد، والغفران من الرب.
* وسئل عبد العزيز بن أبي رواد: ما أفضل العبادة؟ قال: طول الحزن في الليل والنهار، وكثرة الاستغفار.
* وقيل لعالم: ما علامة سعادة العبد؟ قال خروجه من ضيق الإصرار على الذنب وولوجه في سعة الاستغفار.
* وقال إبراهيم بن أدهم: كثير الخير قليل، الشر كثير، وأعلم أن الجهل مغنم، والذم مغرم، والاستغفار ملجأ.
* وقيل لمالك بن دينار: فيك سياسة وهيبة ولست بملك ولا أمير فمن أين هذا لك؟.
* قال: بأكل الحلال، والأمن بالرزق، والرضا بالقضاء، والإخلاص في العمل، والصبر على الشدة، والشكر عند النعمة، والتقى عند الشبهة، والاستغفار عند الخطيئة.
* وحكي أنه رؤي بعض الصالحين في النوم، فسئل عن حاله فقال: نجوت بعد كل جهد قيل: بأي الأعمال وجدت النجاة؟ قال: بالبكاء من خشية الله، وطول الاستغفار.
* وحكي أنه قال بعض المريدين لواعظ: اذكرني في صالح دعائك قال: أذكر ذنبك وتب واستغفر، فإن الله تعالى يقول: " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا " (سورة نوح: 10).
* وحكي عن إبراهيم بن أدهم: أنه قال: مثلت نفسي في الجنة كأني أكلت من طعامها، وعانقت حواريها، ومثلت نفسي في النار كأني أكلت من ضريعها وعالجت أغلالها، فقلت لنفسي: ما تشتهين الآن؟ قالت: أرجع إلى الدنيا فأتوب واستغفر قلت فمن مثلك إذا أعطيت سؤلك؟ فقومي الآن فتوبي واستغفري:
لا تنس ذنبك إن الله ساتره واستغفر الله من ذنب تباشره
كم من هوى لك مقرون بمعصية وأصبحت تركبه الله غافره
* ومن موعظة الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز –رحمهما الله تعالى: أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة، لها في كل حين قتيل تذل من أعزها وتفقر من جمعها، هي كالسم يأكله من لا يعرف، وفيه حتفه فكن فيها كالمداوي جراحه يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا، ويصبر على شدة الدواء مخافة طول الداء، فاحذر هذه الدنيا الخداعة الغدَّارة الختَّالة التي قد تزينت بخدعها وقتلت بغرورها، وتحلت بآمالها وسوفت بخطابها فأصبحت كالعروس المجلية، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بالأول مزدجر، فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد، فشغل فيها له حتى زلت به قدمه، فعظمت ندامته وكثرت حسرته واجتمعت عليه سكرات الموت وتألمه وحسرات الفوت بغصته وراغب فيها لم يدرك منها ما طلب ولم يرح نفسه من التعب فخرج بغير زاد وقدم على غير مهاد.
فاحذرها يا أمير المؤمنين وكن أسرَّ ما تكون فيها، احذرها فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته إلى مكروه، وضار وقد وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء إلى فناء فسرورها مشوب بالأحزان، أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر وعيشها نكد ابن آدم فيها على خطر.
مختارات