" واجب المؤمن نحو الشدائد الخمس "
" واجب المؤمن نحو الشدائد الخمس "
إذا كان هذا حال هذه الشدائد الخمس في حياة المسلم، فإنه يجب عليه أمور تجاه هذه الشدائد، وذلك حتى يسلم منها، وينجو من أذاها، أو تفادى أذاها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وعند النظر والتأمل، فإن المؤمن لابد من أمور تُحصِّنه من هذه الشدائد الخمس، ليسلم منها، وهذه الأمور المطلوبة منه، نذكره بها هنا كما يلي:
أولا: اللجوء إلى الله تعالى:
ذلك أن من لجأ إلى الله تعالى واستجار بحماه أجاره وحماه، وأبعد عنه كل ما يخيفه، ذلك لأن هذه الشدائد المذكورة لا يسلم منها إلا الله ولا يُنجي منها سواه، أليس هو الذي يندب عباده إلى الفرار إليه " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ " (سورة الذاريات: 50) أليس هو الذي تعهد بكشف الضُّرِّ والسوء " وَيَكْشِفُ السُّوءَ " (سورة المائدة: 62).
أليس هو الذي يصرف عن عباده كل ما يخيفهم في الدنيا والآخرة؟ إن واجبهم أن يلجأوا إليه سبحانه في كل لحظة وحين، لأن المدافع عن الدين والحافظ له، والذي خلَّص الدعاة إلى الله تعالى من الفتن هو الله، ومن يستجير بحماه يُجار، ومن يرفع ظلامته إليه يُنصف، ومن يوكل أمره إليه يَسلم، ومن أولى باللجوء إليه من الله؟ ومن أعرف بطريق الله من المؤمن؟ ومن أحرى منه باللجوء إلى ربه سبحانه وتعالى؟ ليخلصه من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ويؤمن روعته في يوم يراع فيه الناس إلى من رحم الله.
ثانيا: الصبر:
لابد لمن بلي بهذه الشدائد الخمس من صبر يتزود به، ويعينه على لأواء الطريق – وخاصة لأن بعض هذه الشدائد قد تأتيه ممن لا يحل له قتله كالمؤمن الذي يحسده، والمنافق الذي يبغضه، وهذا يحوجه إلى مزيد صبر حتى يضيع على هؤلاء فرصتهم في أذاه، ويعمل على الخلاص من الأذى الذي مظنة له، وهذا يشمل كل مسلم بشكل عام، والدعاة بشكل خاص؛ لأن هؤلاء أولى الناس بالصبر والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وذلك حتى تتم دعوتهم لله.
وتخلص أعمالهم له، وفي نصيحة هؤلاء الدعاة يقول الأستاذ فتحي يكن- حفظه الله: " أما دعاة الإسلام فإن عليهم إن ابتلوا بمن يحسدهم أن يتذرَّعوا بالصبر والصلاة، ويعوذوا بالله من شرور نفوس الناس، وشرور ظلمهم وحسدهم، ولا يخرجنهم الغضب إلى الرد والكيد وإلى اتباع غير سبيل المؤمنين؛ لأنهم بذلك يصبحون مثلهم، ويخسرون تميزهم وخُلقهم ودينهم، والأولى أن ينفقوا مما عندهم من خير ويحتسبوا ما يصيبهم عند الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ".
ثالثا: الحذر:
لابد لمن أحاطت به تلك الشدائد الخمس والتي هي ملمات تكسر الظهر وتؤذي النفس، وتعطل العمل من أن يكون حذرا، فيحذر من المؤمن الحاسد أن يؤذيه بحسده، ومن المنافق المبغض أن يؤدي به بغضبه إلى آذه بالكيد والمؤامرات التي يحكيها له في الليل والنهار، ومن الكافر الذي يقاتله بكل وسيلة وفي كل زمان ومكان، ومن الشيطان الذي أخذ عهدا على نفسه أن يعمل على إضلاله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ومن النفس، تلميذة الشيطان الذي لا تكاد تترك التفلُّت والمنازعة لإطاعة أوامر الشيطان وعصيان أوامر الرحمن.
إن من يحيط به هؤلاء الخمسة لهو أحوج الناس إلى الحذر والحيطة، ليسلم من سهام هؤلاء التي لا تكاد تخطؤه، ولئن كان المسلم الملتزم بحاجة إلى الحذر، فإن أولئك الدعاة أشد الناس حاجة إلى الحذر.
رابعا: العفو:
لابد للمؤمن المبتلى من العفو عمن ظلمه، وخاصة في مواجهة المؤمن الحاسد له، والذي هو أحد الشدائد الخمس المسلطة عليه، والعفو خصلة من كرام خصال المؤمنين، وقد وصف الله تعالى المؤمنين فقال: " وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " (سورة آل عمران: 142).
وندبنا إليه فقال: " وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (سورة التغابن: 14) والعفو أداة مهمة في يد الداعية إلى الله تعالى يستجلب بها القلوب، ويدخل بها إلى النفوس، ويرد بها سهام الحاسدين عن نفسه، وهو أحرى الناس بالعفو عن غيره؛ لأن الناس يأملون منه أكثر مما يؤملون من غيره، ويتوسمون فيه الخير، وإن من الأمور الخيِّرة التي تتوسم فيه عفوه عمن ظلمه وصفحه عنه، وما أحوج الدعاة إلى الله تعالى في هذه الأيام إلى مثل هذه المسألة وتطبيقها عمليا ليسلم لهم قيادة أنفسهم، وبالتالي يسلم الناس إليهم قيادة أمورهم، بما يروا في حياتهم من جوانب القدوة المشرقة التي تجلب الاتباع وتسر المؤمنين، وترد كيد الكافرين، فهذا أمر واجب ينبغي لمن تصدر لدلالة الناس على الله تعالى أن يتمثل بهذا ويعمل به لتُثمر دعوته وتؤتي أكلها في حياة الناس والله المستعان.
خامسا: تربية النفس:
لابد للمؤمن الذي تحيط به هذه الشدائد الخمس من تربية نفسه تربية صحيحة، وذلك حتى يفوت على هؤلاء الأعداء الخمسة أي فرصة لإيقاع الأذى به، وعند النظر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نجد أن التربية الصحيحة للنفس لابد أن تسير وفق مسائل ثلاثة، وهذه الأمور هي:
- المحاسبة: حيث يعمل المرء على محاسبة نفسه على كل صغير وكبير.
- المراقبة: وهي أن يراقب المرء نفسه ليمنعها من شهواتها، ومن معصية الله سبحانه وتعالى.
- والمجاهدة: وهي أن يحمل المرء نفسه على الطاعة حملا، ولا يترك لها مجالا لمنازعته نحو المعصية، فإذا تمت له هذه الأمور الثلاثة تسلم نفسه له قيادتها، ويعينه الله عز وجل عليها فإذا استقام حاله، واستوت نفسه، وقل فيه حظ الشيطان فإنه عندئذ يسلم من تلك الشدائد الخمس.
وينجو من تلك الآفات، وذلك بسبب قربه من ربه سبحانه وتعالى، الذي يمنع عنه كل أذى، ويُبعد عنه كل سوء، ويُسلمه من كل شر، فإذا كان حاله كذلك سلمه الله تعالى من شر المؤمن الحاسد، فأخفاه، ومن شر المنافق الذي يبغضه ويكيد له المكائد، ويخلصه من أذاها له والذي يعينه على شر نفسه ومنازعتها له إلى المعصية، كما يعينه على الخلاص من إضلال الشيطان له. وإبعاده عن طريق الله تعالى، فإذا تربَّت النفس تَحقَّق لها الحماية من كل هذه الشرور والشدائد الخمسة، التي أعجزت بني آدم ولا سلامة منها إلا بالاستعانة بالله تعالى، والله المستعان.
فوائد الشدائد:
الشدائد التي تصيب المسلم في حياته بشتى الصور، لابد لها من فوائد فبالرغم من أنها مكروهة للنفس، إلا أن الله يكفر بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات، كما أن الكرب يدفع بالمكروب إلى التوبة، فيلجأ إلى الله وينكسر بين يديه، وهذا الانكسار أحب إلى الله من كثير من العبادات، فما أجمل أن ينكسر المخلوق لله، ويشعر بذلة أمامه، ويشعر بحاجته إليه وافتقاره إلى خالقه، فينقطع إلى الخالق ويترك المخلوق، وهنا يتحقق التوحيد وينتفي من أدران الشرك بأنواعها، ويخلص الإنسان لربه، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية إذا نزل بنا الكرب، واشتدت الأمور، وضاقت علينا الأرض بما رحبت فقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم» وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» وقال عليه الصلاة والسلام لأسماء بنت عُميس: «ألا أعلمك كلمات تقولهن عند الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئا». وقال عليه الصلاة والسلام: «من أصابه همٌّ أو غمٌّ أو سَقمٌ أو شدةٌ فقال: الله ربي لا شريك له، كشف ذلك عنه» وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دعوة المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت» وقال صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا يدعو بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له».
مختارات