" تعزَّ بأهل البلاء "
" تعزَّ بأهل البلاء "
تَلفَّتْ يُمنة ويُسرى، فهل ترى إلا مُبتلى؟ وهل تشاهد إلا منكوبا في كل دار نائحة، وعلى كل خدٍّ دمعٌ وفي كل واد بنو سعد.
كم من المصائب، وكم من الصابرين، فلست أنت وحدك المصاب، بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل، كم من مريض على سريره من أعوام، يتقلب ذات اليمين وذات الشمال، يئن من الألم، ويصيح من السقم.
كم من محبوس مرَّت به سنوات ما رأى الشمس بعينه، وما عرف غير زنزانته؟ كم من رجل وامرأة فقدا فَلَذَات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر؟ وكم من مكروب ومدين ومصاب ومنكوب.
آن لك أن تتعظ بهؤلاء، وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجن للمؤمن ودار للأحزان والنكبات، تُصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها، يبنيها الشمل مجتمع والأبدان في عافية، والأموال وافرة، والأولاد كثر، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض. قال تعالى: " وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ " (سورة إبراهيم: 45).
فعليك أن توطِّن مصابك بمن حولك، وبمن سبقك في مسيرة الدهر، ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلاء، وأنه لم يأتك إلا وخزاتٌ سهلة، فاحمد الله على لطفه، واشكره على ما أبقى، واحتسب ما أخذ واتعظ بمن حولك ولك في الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة وقد وُضع السَّلى على رأسه، وأُدميت قدماه وشُجَّ وجهه، وحُوصر في الشِّعْب حتى أكل ورق الشجر، وطرد من مكة، وكسرت ثنيته، ورُمي عرض زوجته الشريفة، وقُتل سبعون من أصحابه، وفقد ابنه، توفي أكثر بناته في حياته، وربط الحجر على بطنه من الجوع واتُّهم بأنه شاعر ساحر كاهن مجنون كاذب، صانه الله من ذلك، وهذا بلاء لابد منه وتمحيص لا أعظم منه، وقد قُتل زكريا، وذُبح يحيى، وهُجر موسى ووضع الخليل في النار، وسار الأئمة على هذا الطريق فضُرِّج عمر بدمه واغتيل عثمان، وطُعن عليٌّ وجُلدت ظهور الأئمة وسُجن الأخيار ونُكِّل الأبرار قال تعالى: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا " (سورة البقرة: 214) (هكذا هزموا اليأس، سلوى العضيدان).
مختارات