" مظاهر الابتلاء "
" مظاهر الابتلاء "
أولا: الابتلاء بالشر: وله عدة صور منها ما يلي:
1- أن يبتلي الله المؤمن بفقد عزيز عليه كأبيه أو أمه أو ولده.
2- أن يبتلى المؤمن بفقد جزء من جسمه كذهاب بصره، أو سمعه، أو رجله، أو يده.
3- ابتلاء المؤمن بمرض عُضال أو فتاك، أو يُبتلى بالخوف والجوع وضيق الرزق. قال تعالى: إشارة إلى تعدد مظاهر الابتلاء: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " (سورة البقرة: 155).
4- ومن أعظم ما يبتلى به المؤمن من صور الابتلاء بالشر هي المصيبة في الدين، فهي القاصمة والمهلكة والنهاية التي لا ربح معها، وعموما فإن مصاب الدين لا فداء له، فهو أعظم من مصيبة النفس والمال؛ لأن المال يخلفه الله تعالى، وهو فداء الأنفس، والنفس فداء الدين، والدين لا فداء له (انظر تسلية أهل المصائب لأبي عبد الله المنجي) ذلك أن كل مصيبة في دنيا الإنسان قد تعوض بخير منها أو مثلها، أما مصيبة الدين فحسرة لا تُعوَّض (الإيمان والحياة للدكتور الشيخ يوسف القرضاوي).
5- الابتلاء بالسيئات أو المعاصي، وهذه قد تَخفى حكمته على الكثيرين إذ قد يراد به " اختبار الصدق في الإيمان " (موسوعة نضرة النعيم).
ويشير ابن القيم –رحمه الله- إلى ثمرة هذا الابتلاء بقوله: " لو لم تكن التوبة أحب إلى الله لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه –آدم عليه السلام- فالتوبة هي غاية كل كمال آدمي وقد كان كمال أبينا آدم –عليه السلام- بها " (مفتاح دار السعادة لابن قيم).
ثانيا: الابتلاء بالخير: ويقصد به اختبار الله تعالى عبده المسار ليشكره وله صور شتى منها:
1- أن يبتلى العبد بالغنى وكثرة العرض: قال صلى الله عليه وسلم: «فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتَنافِسوها كما تنافسوها وتُلهيكم كما ألهتهم» (صحيح البخاري).
2- ابتلاؤه بزينة الدنيا وزهرتها. قال صلى الله عليه وسلم: « إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» (صحيح البخاري).
3- الابتلاء بحب الرياسة والجاه، فيطلبها ويحرص عليها فيكون فيها هلاكه. لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة» (صحيح البخاري).
4- ويدخل في هذا المظهر ابتلاء العبد بالطاعات ليشكر ربه على ما هداه إليه، فضرب الله لنا أروع الأمثلة: بإبراهيم –عليه السلام- لما ابتلاه الله بذبح ولده وفلذة كبده فأراد أن يمضي تلك الطاعة لربه فناداه الله تعالى بقوله: " وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ " (سورة الصافات: 104-106).
والابتلاء بالخير هو أشد البلاء؛ لأن القيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر. فصارت المنحة أعظم البلاءين لهذا قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: " بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر " وقال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: " من وُسِّع عليه في دنياه فلم يعلم أنه قد مُكر به فهو مخدوع في عقله " (بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي).
أخي القارئ: فالبلاء يكون حسنا ويكون سيئا كما أسلفنا وأصله المحنة، والله عز وجل يبلو عبده بالصنيع الجميل ليمتحن شكره، ويبلو بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره، عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، أعوذ بالله أن تدركوهن»
1-لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشي بهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا.
2- ولم يقتصوا المكيال والميزان، إلا ابتلوا بالسنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم.
3- ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا.
4- ولم ينقضوا عهد الله ورسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيدهم.
5- وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما أنزل الله عز و جل إلا جعل الله بأسهم بينهم »(سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العقوبات).
وبين الله –عز وجل- سبب الابتلاءات، كرغد العيش، أو ضيقه، واعتدال المناخ أو قسوته، كالزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير والقحط، وما أشبه ذلك في قوله تعالى: " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " (سورة الروم: 41).
أي ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عن الناس الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي،).
قيل: " إن الله يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا لهم ومجازاة على صنيعهم، لعلهم يرجعون عن المعاصي ".
سؤال (كشف الأسرار عما خفي عن الأفكار، شهاب الدين الأقفهسي)، لم شدد البلاء على الأفاضل؟
الجواب: قيل لأن الله تعالى يبغض الدنيا، وامتحن الأولياء فيها كي لا يميلوا إليها وهي مبغوضة وأيضا ليكثر الأجر لهم.
فإن قيل: لم حجب عنهم الدنيا؟ قيل: ليتفرغوا لطاعته ولا يشتغلوا بها عنه فتحملهم على المعصية، فربما تكون النعمة سببا للمعصية، لقوله تعالى: " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ " (سورة الأنعام: 44).
مختارات