" فضول الجوارح "
" فضول الجوارح "
كلمة فضول في اللغة تعني الشيء الزائد عن الحد، والمرء إذا تدخل فيما لا يعنيه يسمى فضولي؛ لأنه خرج عن الحد وتدخل في حدود غيره، أما كلمة جوارح فيقصد بها الحواس التي من خلالها يتعامل المرء مع غيره؛ كالسمع والبصر واللسان.
وكل شيء خلقه الله تعالى في البدء خلقه للخير، فإذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فينشأ عنه الشر.
فالجوارح خلقها الله تعالى ليُعْمِلها المرء في الخير وفيما يرضيه سبحانه، فيتبلغ بها المرء في حياته الدنيا، لا أن يستعملها في الشر وفيما يغضبه عز وجل.
إذن، فالمقصود بفضول الجوارح هو أن يستعمل المسلم جوارحه في الحرام وفيما زاد عن الأصل المطلوب - ألا وهو استعمالها في الخير - كأن ينظر للحرام، أو يستمع للحرام، أو يتكلم بالحرام، أو يفكر في الحرام.
إذ الواجب على المسلم أن يتقي الله تعالى في كل أوقاته، وأن يجعل أمام ناظريه عظمة الله تعالى وجلاله، وأن يستذكر الموت دوماً؛ لأن من استحضر عظمة الله تعالى واستذكر الموت منعه ذلك عن العصيان، وكبح جماح نفسه عن الذنوب والآثام والتمادي فيها.
والتقوى في القول أمر سهل ولكنه في الفعل من أصعب الأمور، وحقيقة التقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين حدود الله تعالى وعذابه وقاية، وذلك لا يستقيم للمرء حتى يحفظ الرأس وما وعي وجوارحه عن الفضول؛ فلا ينظر إلى ما لا يعنيه، ولا يسمع ولا يستمع لما لا يعنيه، ولا يتكلم فيما لا نفع منه، ولا يفكر فيما لا يعنيه، ولنتذكر دوما قوله صلى الله عليه وسلم في ترك الفضول: «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» [الترمذي وأحمد ومالك وابن ماجة].
وكم من شخص نظر إلى ما لا يعنيه فتعلق قلبه بذلك فضلَّ وربما هلك، وكم من شخص استمع إلى ما لا يعنيه فتعلق قلبه بذلك فضل وربما هلك، وكم من شخص تكلم بكلمة أهلكته وأوبقته، وكم من شخص فكر وتفكر فيما لا يعنيه فضلَّ وربما هلك.
وكل فضول - حقيقة - لا يعود على المرء بأي نفع، بل ربما عاد عليه بهلاك ومَضرّة وفتنة ومَضلَّة وويلات، وربما عاد عليه بما يودي بحياته إلى الهاوية والعياذ بالله تعالى.
ولذلك فالواجب على الإنسان أن يحفظ جوارحه، ولا سيما سمعه وبصره ولسانه وفكره عن الخوض والتخوض في أي شيء ليس منه أي مصلحة تعود عليه، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان، فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» [الترمذي وأحمد والدرامي].
مختارات