" فضول النظر "
" فضول النظر "
نعمة النظر أخي المسلم تعتبر من أكبر حواس وجوارح الإنسان التي منَّ الله بها على العبد، وهي نعمة لا يعرف حقيقة قدرها إلا من حُرِمَها، والحمد لله على نعمة البصر، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من العالمين، وفضَّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.
والممعن النظر بعين بصيرته يعلم أن نعمة النظر لا تُقدَّر بثمن، وقد جعلها الله تعالى ليتمتع بها الإنسان بما يرى في هذا الكون الفسيح، فيتفكر فيما حوله من ملكوت الله تعالى، ويعرف قيمة هذه النعمة العظيمة، ولذلك فالواجب استعمال هذه النعمة فيما يرضى الله تعالى لا فيما يغضبه ويسخطه سبحانه، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «وأن يكون نظري عِبرة» أي كلما نظرت لشيء اعتبرت به فأزداد إيمانا ويقينا وقربا منك يا رب.
ويجب أن تعلم أخي المسلم أن النظر يُعد من أقوى الأسباب التي تجعل قلب المرء يتعلق بما يرى، ولذا فالعاقل هو الذي لا يطلق لنظره العنان لينظر لكل ما يرى، فقد يتعلق قلبه بشيء يهلكه، فالعين كما قيل: بحر ولا تشبع من النظر، وفي الحديث: «...ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» [متفق عليه].
ولذلك فقد حذر صلى الله عليه وسلم من عاقبة النظر ومن مهالكه، ولا سيما النظر للحرام ولما فيه معصية، فالقلب سريعاً ما يتعلق بما يرى ويشاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه» [الحاكم، والطبراني في الكبير].
والنظر المحرم لا يشك شاكٌّ في كونه مذلة ومهانة للشخص، وهو مما يجعل المسلم عبد للشيء، فالإنسان إذا نظر لشيء وتعلق قلبه به صار عبدا له، وتجده يهيم بفكره فيما نظر إليه، ويبني أفكارا على أفكار، كلها هراء وضروب من نسج الخيال.
والنظر المحرم له صور كثيرة؛ يتصدر ذلك النظر للنساء ومفاتنهن، وتتبع عوراتهن ومفاتن أجسادهن والتلذذ بذلك، سواء كان عيانا أو من خلال الصور والمجلات الخليعة، أو من خلال التلفاز والقنوات الفضائية، والتي للأسف تعرض النساء في أبهى حلة وأزهى لباس لشدِّ انتباه المشاهد، يأتي بعد ذلك النظر للصبيان المُلحاء والمردان من الرجال، ولا سيما المخنثين منهم، وإعادة النظر لعوراتهم والتلذذ بذلك، ولك أن ترى الكثير مما يُعرض في التلفاز من عورات في الملاعب والحلبات والمسلسلات، والتي تُظهر الرجال ولا سيما الشباب والغلمان بلباس ضيق فاضح، وبألوان زاهية وكأنهم فتيات، هذا فضلا عن عرض الفتيات في صور فاضحة مخجلة.
ومن صور النظر المحرم أيضا نظر النساء للرجال، وما ينتج عنه من مفاسد، فالمرأة قد تنظر لغير زوجها فتزدري زوجها، وهذا أمر في غاية القبح، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة؛ فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» [متفق عليه].
والنظر للنساء وبالأخص من قبل الرجال المتزوجين قد يورث عدم الرضا بالزوجة، فقد يزدري الرجل زوجته ويتنكر لها لما يرى من عجائب النساء وحسنهن مما لا يرى في زوجته فيتحسر على ذلك، وقد يطلق نظره ليرى محاسن هذه وتلك من النساء ليعوض النقص الذي لا يجده في زوجته، وقد يتطور الوضع فيضيع بيته لمجرد تعلق قلبه بأوهام لا حقيقة لها.
وعموما فالتلفاز والفيديو والقنوات الفضائية وكل أدوات الاتصال هي آلات تستخدم في الضرر في معظم الأحوال، والقلة من الناس من ينتفع منها وبها وبما يعرض فيها، وجُلُّ الذي يعرض فيها يُعد من الغث الذي لا منفعة منه، بل وفوق كل ذلك يشغل وقت الناس ويقتله ويضيعه بلا فائدة، وأكثرية الناس يتأثر بما يشاهد ويُعرض من خلالها، فيحاكي ذلك بلا شعور منه، ولا سيما الأطفال والنساء سريعي التأثر والتقليد.
ومن صور النظر المحرم أيضا النظر لكتب الضلال والفرق المنحرفة ذات العقائد الفاسدة، وكذلك النظر لكتب أهل المنكر والفسق؛ ككتب السحر والشعوذة، وكم من أناس كثير دفعهم حب الفضول والاستطلاع لتلك الكتب وقراءتها إلى الهلاك والضلال والعياذ بالله، لذا فاحفظ جارحتك يا أخي ولا تعص الله تعالى بها.
ومن صور النظر المحرم النظر للمارة في الطريق، وكأن الجالس فيه رقيب على الناس يلحظ هذا ويرقب ذاك، قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس بالطرقات» قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حقه؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» [متفق عليه]، إذن فكل نظر ليس منه فائدة فالأولى غض البصر عنه.
مختارات