" صُلب فأخفى الله جثته "
" صُلب فأخفى الله جثته "
البطل: خبيب بن عدي رضى الله عنه.
البطولة: محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدق المحبة).
تفاصيل البطولة:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أعين من الصحابة وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت رضى الله عنه، فلما كانوا بين مكة وعسفان أحاط بهم مائة رجل رام – أي يحسن الرماية – من هذيل، فقالوا لهم – وكانوا قد التجأوا إلى جبل –: انزلوا، فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا.
فقال عاصم: (أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر... اللهم أخبر عنا نبيك) فرموهم بالنبل وقتلوا سبعة، منهم عاصم بن ثابت، وبقي ثلاثة وهم خبيب بن عدي، وزيد بن الدِّثنَّة، ورجل آخر.
فنزلوا فاقترب الرماة فأطلقوا قِسيهم وربطوهما بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، فقرر أن يموت حيث مات أصحابه، واستشهد حيث أراد.
وانطلقوا بخبيب وزيد رضي الله عنهما وباعوهما بمكة، فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبًا (وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر في بدر) فحبسوه في بيت إحدى بنات الحارث، فدخلت عليه يومًا فوجدته يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد وما بمكة كلها ثمرة عنب وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا.. ثم بعد ذلك خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل – موضع بمكة – فقال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين لله عز وجل قبل أن تقتلوني.. فأذنوا له وتركوه فركع ركعتين ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا، ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
ولقد أعدوا من جذوع النخل صليبًا كبيرًا ثبتوا فوقه خبيبًا، وشدوا فوق أطرافه وثاقه.
وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك؟ فرد عليه خبيب رضى الله عنه بكلمات سطرها التاريخ قائلاً: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، ويُشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة.
ما هذه الكلمات؟! وما هذا الحب؟! وما هذا التفاني والإخلاص؟!.
إنها لبطولة لا يصنعها إلا الإيمان بالله عز وجل.
ثم قام عقبة بن الحارث فأدخل الرمح في صدره فقتله فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل عمرو بن أمية عينًا إلى قريش لينظر ما حل بأصحابه، يقول عمرو: فجئت إلى خشبة خبيب رضى الله عنه وأنا أتخوف العيون، فرقيت فيها وحللت خبيبًا من جذع النخلة التي علق فيها فوقع على الأرض، فخفت أن يراني أحد فابتعدت عنه غير بعيد ثم التفتُ، فلم أرَ خبيبًا وكأنما ابتلعته الأرض فلم يُرى لخبيب أثر حتى الساعة.
* العبرة المنتقاة:
أحب الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًا تمكن من قلوبهم، فأصبحوا لا يتمنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى وأصغر نوع من الأذى ولو كان ذلك مقابل حياتهم وهذا ما ينبغي أن نسير عليه.
حيث إن: خبيب بن عدي رضى الله عنه تأسره قريش ثم تصلبه وتسأله هل يتمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه وأنه في أهله وماله فيجيبهم بالنفي الشديد (صفة الصفوة: 1/294 بتصرف يسير).
مختارات