" أهل القرآن : وصايا لحفاظ القرآن "
" أهل القرآن: وصايا لحفاظ القرآن "
أخي المسلم:
إنَّ من شرف هذا القرآن أنه يشرف به أصحابه وإن لم يكونوا رؤوسًا في النسب والحسب.
عن عامر بن واثلة رضي الله عنه، أنَّ نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكَّة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزي، قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفتَ عليهم مولى؟! قال: إنه قارئٌ لكتاب الله عزَّ وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما أنَّ نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: «إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين» (رواه مسلم).
فالقرآن شرف لأهله؛ وهو نعم الشرف؛ والمُنتَسِبُون إلى القرآن مُنتَسِبُون إلى أعلى نسب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لله أهلين من الناس» قالوا: يا رسول الله من هم؟! قال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته» (رواه أحمد وابن ماجة صحيح ابن ماجة).
أخي المسلم:
حقًّا، إنَّ العبد ليسعده أن يكون من أهل الله وخاصته، ونَيل هذه المنزلة ليس بالصعب، وما بينك وبين أن تكون من خاصة الله إلاَّ أن تصدق الإقبال على كتاب ربِّك تعالى، وليس شرطًا في ذلك أن تحفظ القرآن كلَّه، أو أن تُحيط بكلِّ شيء فيه، ولكن من أقبل على تلاوته وحفظ ما تيسَّر له، وعمل به، لم يهجره، فهو بلا شكّ داخلٌ في أهل القرآن، ويدلُّك على ذلك ما جاء عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقْدمُهُ سورة البقرة وآل عمران»، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهنَّ بعد، قال: «كأنهما غمامتان أو ظُلتان سودوان، بينهما شَرْقٌ، أو كأنهما حزقَان من طير صوَّاف تحاجان عن صاحبهما» (رواه مسلم).
ومعنى شرق: ضياء ونور.
وحزقان من طير: الجماعة من الطير.
ثم هذه كلمات نهديها إلى أولئك الذين أنعم الله عليهم بحفظ كتابه العزيز.
أولاً: إنَّ من وضع هذا الكتاب بين جنبيه، فليعلم أنه يحمل أطهر كتاب وأفضل مقروء، وأفضل ما ذكر به العبد ربَّه تبارك وتعالى.
ومن كان هذا حاله وجب عليه أن يستحضر عِظم القرآن، ومن استحضر ذلك انتفع بكتاب ربِّه تبارك وتعالى وامتثل أمره ونهيه.
ثانيًا: ينبغي لحافظ كتاب الله تعالى أن يتفقَّد دائمًا نيَّته، هل هو ممَّن أراد بتعلُّمه وجه الله تعالى والدار الآخرة؟ أم أراد بذلك عَرَضًا من أعراض الدنيا من مالٍ أو جاهٍ أو ذكر الناس له؟! فاستحضار النية ضرورية في كلِّ عمل يلتمس به العبد القربة إلى الله تعالى، ولا شكَّ أنَّ حفظ القرآن من الأعمال الفاضلة الشريفة، فاستحضار النية الصالحة فيه مما يُعين على حفظه والعمل به.
ثالثًا: وإذا أعانه الله تعالى على حفظه فينبغي أن يتفقَّد نفسه عند العمل به، هل هو ممَّن يعملون بأمره ونهيه أو من المعرضين عن العمل به.
وحافظ القرآن أولى الناس بالعمل به، وهو عند الناس قدوة، ينظر الناس إليه دومًا، فليتقِ الله في كتابه، وليحفظ حدوده كما حفظ رسمه.
رابعًا: وإذا وُفِّق حافظ القرآن إلى العمل به فليسعَ جاهدًا في تعليمه ونشره والدعوة إليه، ولا يبخل في بذله للناس، وينبغي عليه في ذلك أن يحثّ الناس على تعلُّمه إذا رأى منهم إعراضًا وعدم رغبة، فحافظ القرآن الحقيقي هو الحريص على تعليمه وإن أعرض الناس عن ذلك، وليس هو بذاك الذي إذا أتاه الناس علَّمهم، وإن لم يأتوه تركهم.
خامسًا: وينبغي لحافظ القرآن أن يكون شامة في الناس، متميزًا في فعله وقوله، وقدوة صالحة للناس، ينتفعون بسَمته وهديه قبل انتفاعهم بتعليمه، وإذا كان حافظ القرآن بهذه المثابة انتفع به الناس، وكان حاضًّا لهم على تعلُّم القرآن والعمل به، وإن لم يكن كذلك كان كغيره من الناس، ولن ينتفع بحفظه، ولن ينتفع الناس منه.
كانت تلك بعض الوصايا لأهل القرآن، سُقتها على سبيل الإيجاز، ولكن يدخل تحتها الكثير من المعاني، والعاقل من انتفع بالقليل، وقاده ذلك إلى فعل الكثير.
مختارات