"الحديقة التاسعة : حديقة الدعوة والتعليم "
" الحديقة التاسعة: حديقة الدعوة والتعليم "
فما أجملها والله من حديقة، متنوعة الثمار، فاتنة الأزهار، لا يمل زائرها، ولا ينضب معينها، ظلالها ليس لها حد، وينابيعها لا يحصى لها عد، الفالح من أعمل فيها قلبه ولسانه وفكره، كالنحلة لا تعرف الكلل ولا الملل، تنقل الرحيق، وتنتج العسل، فالعامل فيها مأجور، والحاصد فيها منتفع ومسرور.
كن داعيًا بكلمة طيبة؛ فالكلمة الطيبة صدقة، كن داعيًا بابتسامتك؛ فابتسامتك في وجه أخيك صدقة، كن داعيًا بخلقك؛ فإنك لن تسع الناس بأموالك، ولكن تسعهم بخلقك، بلِّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو آية يا أخي، حبِّب إلى أحبابك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، زيّن في قلوبهم طاعة ربِّهم، ادعهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وابتعد عن الغلظة والجفوة، " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [آل عمران: 159].
احتسب عفوك عمَّن أخطأ عليك دعوةً له، واقصد بعونك لأخيك العاصي هدايته على يديك، أنر عينيك بنور الشفقة على كل من ابتعد عن طريق الهداية حتى يسطع ذلك النور على من تحب هدايته.
كن داعيًا – أيها الحبيب – بشريط تهديه لجارك، وكتاب ترسله لصديقك، ودعوة صادقة لأخيك في الإسلام أن يمن الله عليه بالهداية.
كن داعيًا بكل قدراتك وأفكارك، كن مباركًا في كل أرض تنزل بها، لا تتوهم لنفسك العراقيل، ولا تضخِّم الأعمال، ابدأ دعوتك باستشارة أهل العلم والدعوة والدراية، لتكن دعوتك على نور وبصيرة.
" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " [النحل: 125].
وما عليك إلا البلاغ: " وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ " [يس: 17]، والله يتولى هداية القلوب وفتح أقفالها لمن يشاء من عباده، " ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " [الزمر: 23].
اسعد حينما ترى دعوتك قد آتت أكلها، وأينعت ثمارها، واجعل كل فلاح تصل إليه طريقًا إلى نجاح آخر ينتظرك، ويتطلع إلى خطواتك.
فكم سعد النبي صلى الله عليه وسلم بهداية قومه، لا... بل سعد النبي صلى الله عليه وسلم من هداية غلام يهودي مريض؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: «كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار» [رواه البخاري].
واسمع العبارات النبوية المضيئة وهي تنطلق من أكرم داعية إلى الله متوجهًا بها إلى أحد دعاته المخلصين، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر: «ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يُهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم» [رواه البخاري].
ولا تحسب لنفسك كم من الأجر الذي سينالك بالدعوة إليه، أو تعليم شيء من شرعه؛ فكل من عمل بدعوتك أو طَبَّقَ شيئًا من علمك فلك مثل أجره، لا ينقص من أجورهم شيئًا، والله ذو الفضل العظيم.
وابدأ بنفسك، ثم بأهلك وذريتك، ثم بالأقرب فالأقرب؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في جهدك، ويتقبل منك معروفك، إنه جواد كريم.
واستمع إلى مشهد من مشاهد المعروف في الدعوة إلى الله يحدثنا به صاحب الشأن عن نفسه، وهو الإيطالي " ألبرتو " أو " بتشيني " فقال: «الحمد لله الذي هداني إلى دينه الحق بعد أن كنت ملحدًا عربيدًا يعبد ذاته وغرائزه، طغت المادة على حياتي، كرهت كل الأديان السماوية، وفي مقدمتها الإسلام، الذي يمثل في تراثنا أسوأ صورة لدين في التاريخ؛ فالمسلمون في تصوراتنا الذهنية السائدة يعبدون أصنامًا، ويرفضون معايشة الواقع، ويلجئون إلى الغيبيات يلتمسون منها حل مشكلاتهم، جبابرة دمويون، عدوانيون يرفضون التعايش السلمي مع الآخرين، نشأت وسط هذا المناخ المعبأ ضد الإسلام، لكن الله كتب لي الهداية على يد شاب مسلم مهاجر إلى إيطاليا لكسب عيشه، تعرفت به بدون إرادة، في إحدى الليالي كنت أسهر في أحد البارات حتى الساعات الأولى من الصباح فرجعت من الحانة وأنا فاقد الوعي تمامًا من أثر المسكر، وكنت أسير في الشارع ولا أدري شيئًا، صدمتني سيارة مسرعة، فوقعت على الأرض مخضَّبًا في دمائي، وكانت المفاجأة أن هذا الشاب المسلم هو الذي قام بإسعافي، وإبلاغ الشرطة عن السيارة، وتولى العناية بي حتى شفيت.
ولم أصدق أن من فعل ذلك معي هو مسلم، تقربت منه، وطلبت منه أن يشرح لي مبادئ دينه، وما يأمر به وما ينهى عنه، وموقف الإسلام من الأديان الأخرى، تعرفت على الإسلام، وعايشته من خلال سلوكيات هذا الشاب، وأيقنت في النهاية أنني كنت أهيم على وجهي في الضلال، وأن الإسلام هو دين الحق، وصدق الله العظيم إذ يقول: " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ " فأسلمت».
مختارات