" السائق الوقح "
" السائق الوقح "
تقول الابنة «فاتن»: «منذ مدة قصيرة لاحظت أن سائق والدي الذي نعتمد على الله ثم عليه في كل شيء، يتعمد إطالة الكلام معي، لكنني أتجاهله، ولا أعطيه مجالاً للتمادي».
وفي الطريق إلى المدرسة يتعمد الإبطاء في القيادة، وكذلك في طريق العودة، نهرته مرارًا، وطلبت منه الإسراع أكثر لكن حجته كانت أنه لا يحب السرعة التي تفضي إلى الحوادث المرورية. وفي إحدى المرات أمسك بيدي، كان رد فعلي أن شتمته وهددته بإبلاغ والدي، لكنه ضحك هازئًا وقال بتهكم: «إنه» يثق به كثيرًا!! لا، بل كلفه بأن يراقبني ويراقب تصرفاتي، وانتقل هو إلى التهديد، فحذرني إن لم أسايره فيبلغ والدي أنه شاهدني أركب في سيارة أحد الشباب، لا، بل قال: إنه سيبلغه أشياء كثيرة عني تؤكد سوء سلوكي، وأبلغت أبي تصرفات السائق غير اللائقة معي، لكن رد فعله كان عاديًا، ولم يفعل أي شيء لردعه، توقعت أن يطرده ويستبدله بسائق آخر، لكنه تجاهل الأمر، ولم يكفه عن مضايقتي... فكرت أن أبلغ شقيقي الأكبر، لكنني أتخوف أن أتسبب بما لا تحمد عقباه، حيث إنني أعرف كيف يتصرف أخي عندما يغضب، فهو سيحطم عظامه بالتأكيد... سوف يقتله، ثم فكرت أن أترك الدراسة، لكنني تساءلت هل يستحق الأمر أن أدمر حياتي ومستقبلي من أجل هذا السائق القذر؟ حاولت أن أذهب إلى المدرسة مع صديقتي في السيارة التي تنقلها، لكن أبي رفض ووعدني باستبدال السائق في أقرب فرصة.
وإلى هنا وقصة «فاتن» تصل إلى بدايتها وليس إلى نهايتها فـ«فاتن» على حافة الهاوية قد تزل قدمها فتذهب إلى القاع ويكون في ذلك نهاية أسرة بأكملها أب مستهتر ولا أدل على ذلك من أن يترك ابنته تذهب وحدها مع السائق،وهذا ليس من الدين في شيء، أين الغيرة على ابنته؟ أين المبادئ والأخلاق بل أين النخوة الإسلامية؟ والحقيقة أنه لا يتنازل إنسان عن مبادئه، وعن مقومات دينه إلا إذا كان به نقص وعيب أخلاقي... لا يهتم بابنته رغم معاملة السائق لها ومتى يهتم؟ أبعد أن تصبح الفتاة ضحية لذلك السائق؟ وما أظنه سيكترث، فقديمًا قال الشاعر:
إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
سكوتٌ، وخضوع للسائق، واستسلام لأوامره، وضعف أمامه كل هذه علامات تشير إلى استهتار الأب، بل لا بد أن يكون في الأمر زلة لذلك الأب، ولعل السائق استطاع أن يتصيده في مواقف تخدش الحياء، وتضعه موضع الضعف أمام أسرته < لقد استطاع أن يضع نفسه موضع القوة، وجعل الأب في موضع الضعيف، وأخذ يملي عليه وعلى ما يملكه ما يحقق هواه ويشبع رغبته، فصار الأب ضعيفًا عن أن يحمي أقرب الناس إليه وهي ابنته. إنها الكارثة المؤلمة، بل الطامة المحطمة.
إن ذلك الأب، إن لم يتدارك الأمر – مهما كانت عواقبه – اليوم فلن يخرج من المعركة الشيطانية إلا صفر اليدين... خسر الدنيا بما حوت من أبناء، وزوجة، وأهل، وخسر الآخرة بعصيانه ربه.
ولماذا كل هذا الخسران؟ إنه من أجل سائق وقح، تصيد الأب في وقت ضعفه وأمام الشيطان لعين.
أيتها الفتاة... حطمي المعبد على رأس «شمشون» قبل أن تكوني تحت أنقاضه، ولا يستطيع أحد أن يأخذ بيديك، كل يد ستلقمك حجرًا مسمومًا لضربه.
سارعي إلى أخيك حتى يكون لك الساعد الأقوى لإنقاذك، واتركي أباك، فقد نخر الضعف عظامه، فصارت سواعده واهية، تحكم السائق في حركتها حتى صارت عن الحق مشلولة، وعن إبعاد الانهيار الأسري قاصرة غير قادرة، حتى إذا لم يفعل أخوك شيئًا، فأنت على حق... وصاحب الحق قوي... مهما كانت الأقاويل، ومهما كانت الأباطيل فعليك وحدك عبء حماية نفسك من هذا الشيطان الرجيم المسمى السائق حتى لو أدى إلى التضحية بالمدرسة في سبيل المحافظة على دينك وآخرتك (قصص واقعية مؤثرة).
مختارات