" للحياة وجه آخر "
" للحياة وجه آخر "
عاشت رضا وسط قريناتها من بنات قريتها الصغيرة وهي تمرح وتلعب، دون أن تعبأ بشيء في الحياة... وما أن وصلت للرابعة عشرة من عمرها حتى أخذ والداها يمنعانها من الخروج للشارع، وهي لا تدري سبب تلك القيود الجديدة التي فرضتها عليها الأسرة... إلى أن جاء يوم كانت فيه الحركة بالمنزل غير عادية، وتعددت علامات الغموض التي لاحت أمام رضا، فقد علمت أن أحد السائقين من أبناء البلدة طلب الزواج منها، وأجاب الأب طلبه على الفور.
لم تكن رضا تعرف تبعات ذلك الأمر وفرحت، كما فرح أفراد الأسرة، لأن كل ما دار بخلدها أنها سترتدي فستان العرس، وتجلس بجوار عريسها، بينما سيقف أهل القرية حولها فرحين... لم تكن رضا تعلم أن الحفل سينتهي، وتنتقل مع عريسها إلى منزل غير منزل أسرتها، وتكون مسؤولة عن كيان ذلك المنزل، وبعد أشهر تنجب لتصير أمًا مسؤولة عن وليد يلزمه من الرعاية الشيء الكثير.
استسلمت رضا لرغبة أسرتها، وانتقلت إلى المنزل الجديد. عاشت هذه التغيرات وهي في ذهول، ثم حملت مولودها الأول الذي أنجبته وسط مشاحنات عائلية لا قبل لها بها... حيث كانت تصرفاتها التي تتناسب مع سنها مصدر إزعاج خصوصًا بعد أن أنجبت، حيث زادت مشكلاتها مع زوجها... ومع مرور الأيام تزداد المشاكل إلى أن أوصلت العلاقة الزوجية إلى الانفجار، وانتهت بالطلاق، وعادت رضا لمنزل أسرتها.
مرت الأيام وكانت رضا تتردد على شقيقاتها اللاتي تزوجن في منطقة أخرى، وبعد عامين من الطلاق كانت قد تعرفت على رجل يسكن على مقربة من منزل شقيقتها... تجاذبا معًا أطراف الحديث، وكانت ظروفهما متقاربة لأنه قد سبق له الزواج، وأنجبت زوجته طفلة ثم طلقها، ثم أتى إلى هذه المنطقة للعمل.
تقدم هذا الرجل ويدعى سيد للزواج من رضا، فرحبت على الفور وتم الزفاف، وبعد سنة ونصف أنجبت طفلاً أسمته إسلام... وكان سيد دائم الشجار مع صاحبة السكن الذي يقيم فيه، ووصل هذا الشجار إلى حد أن طردته صاحبة السكن هو وزوجته وابنه... فباع المنقولات الخاصة به، ورحل من حيث أتى عائدًا إلى والده ومعه زوجته وابنها الصغير، وأقام الثلاثة شهرًا كاملاً إلا أن الأب ضاق بتبلد مشاعر ابنه سيد، حيث كان يعيش معه من دون عمل، فقام بطرده وأسرته الصغيرة، فاضطر للعودة إلى منطقة عمله القديمة.
وفي طريق العودة دار حوار ساخن بين سيد ورضا عندما اعترضت رضا على ذلك التشرد الذي تعيشه، وأبدت رغبتها في مسكن يأويها وطفلها، وانتهى الأمر على اتفاق أن ترحل رضا إلى بلدتها تاركة الطفل لوالده يرعاه، ولم يكن ذلك القرار غريبًا عليها، فقد سبق لها أن تركت طفلها الأول من زوجها السابق.
لكن وقبل أن ترحل رضا عن زوجها، وضع لهما الشيطان خطة للتخلص من ابنهما... وذهبا إلى ضفاف نهر النيل وهناك تجردا من آدميتهما، وتحجر قلباهما، وألقيا طفلهما في نهر النيل للتخلص منه إلى الأبد.
ألقيا بالرضيع في نهر النيل، وكم من سباح ماهر ابتلعه النهر، وكم من سفينة غرقت، ولكن ما زال القلب الصغير يئن داخل صدر الرضيع، فمن لهذا المسكين؟؟ فهذا أبوه وهذه أمه ألقيا به في النهر الواسع، وأخذا يراقبان جسده الضئيل حتى غاب بين أحضان النيل، فمن لهذا المسكين؟؟ هل تظنان أيها المجرمان أنكما بفعلتكما الشنيعة ستهربان من رب العالمين... وهل تظنان أن سبل العيش ستتسع أمامكما بعد الخلاص من هذا الطفل الرضيع... ألم تسمعا أيها المجرمان قول الرحمن الرحيم: " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا " [هود: 6]، وعلى صفحة النيل تتجلى قدرة الله تعالى التي أرادت للرضيع شيئًا آخر، أرادت له أن يحيا ويبقى، وحملته صفحة النيل على أكف الرحمة، حتى التقطه أحد الصيادين، وذهب به إلى قسم الشرطة، وأبلغ بعثوره على الرضيع، لتكشف ملابسات أغرب جريمة لأب وأم أرادا التخلص من طفلهما الرضيع.
وكانت هذه هي تفاصيل قصة رضا كما روتها عندما ألقي القبض عليها، بعد ما تلقت المباحث بلاغًا من الصياد بعثوره على طفل يطفو فوق مياه النيل وسط نباتات ورد النيل، وتم وضع خطة استهدفت بلاغات الغياب في محاولة للوصول لأسرة الطفل، ومعرفة ملابسات إلقائه في النيل، وجاءت النتيجة أن الطفل خاص برجل وامرأة، وتم التوصل إلى منزل والد الطفل... وبعرضه عليه قال: إنه ابن زوجته، وإنها حملته سفاحًا قبل زواجه منها، وعندما أنجبته نسبته إليه في شهادة الميلاد، وتوسلت إليه ألا يفضح أمرها، مما اضطره لالتزام الصمت... وأضاف الأب أنه ضاق بالطفل الذي لا يمت له بصلة، وطرده هو وأمه، وأرشد الشرطة عن مكان إقامتها حيث تم إلقاء القبض عليها، وجاءت أقوالها مخالفة حيث قالت: إنها تركت المنزل لزوجها، وكان معه طفلها، ولا تعلم شيئًا عما حدث.
وبتضييق الخناق على المجرمين اعترافًا بجريمتهما، وأنهما قررا التخلص من ابنها بعد أن ضاقت بهما سبل العيش (جريدة الهدف الكويتية – بتصرف وزيادات كثيرة. نقلاً عن: أنين القلوب).
مختارات