ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم (٢)
وروى ابن أبي حاتم: من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يَسار، عن أبي هريرة مرفوعًا.
فذكرَه، وفيه: "ثم عرضهم على آدمَ، فقال: يا آدم هؤلاء ذريَّتُك، وإذا فيهم الأجْذم والأبْرص والأعمى، وأنواع الأسقام.
فقال آدم: يا ربِّ! لمَ فعلتَ هذا بذريَّتي؟ قالَ: كيْ تشكرَ نعمتي".
ثم ذكرَ قصة داود، وستأتي من رواية ابن عباس أيضًا.
وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدَّثنا الهيثمُ بن خارجة، حدَّثنا أبو الربيع، عن يونسَ بن ميسرة، عن أبي إدريس، عن أبي الدرداء، عن النبيِّ ﷺ، قال: "خلقَ اللَّه آدمَ حين خلقَه، فضربَ كتفَه اليُمْنى، فأخرجَ ذريَّةً بيضاءَ كأنَّهم الذرُّ، وضربَ كتفَه اليُسْرى فأخرجَ ذريَّةً سوداءً كأنَّهم الحُمَم.
فقالَ للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أُبالي، وقال للذي في كَفِّه اليُسْرى: إلى النَّار ولا أُبالي".
وقال ابن أبي الدنيا: حدَّثنا خَلفُ بن هشام، حدَّثنا الحَكم بن سِنَان، عن حَوْشب، عن الحسن، قال: خلقَ اللَّه آدمَ حين خلقَه، فأخرجَ أهلَ الجنَّة من صَفْحته اليُمنى، وأخرجَ أهلَ النَّار من صَفْحَته اليُسْرى، فأُلقُوا على وجه الأرض، منهم الأعمى والأصمُّ والمبتلى.
فقال آدم: يا ربِّ! ألا سوَّيتَ بينَ ولدي؟! قال: يا آدم إني أردتُ أنْ أُشكَر.
وهكذا روى عبدُ الرَّزاق: عن معمر، عن قتادة، عن الحسن، بنحوه.
وقد قال البخاري: حدَّثنا عبدُ اللَّه بن محمد، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعْمر، عن هَمَّام بن مُنبِّه، عن أبي هُريرة، عن النبيِّ ﷺ، قال: "خلقَ اللَّه آدمَ وطولُه ستونَ ذراعًا، ثم قال: اذهبْ فسلِّم على أولئكَ من الملائكة، واستمعْ ما يجيبونكَ، فإنها تحيَّتُك وتحيَّةُ ذريَّتِك.
فقال: السَّلام عليكمُ.
فقالوا: السلام عليكَ ورحمةُ اللَّه.
فزادوه: ورحمةُ اللَّه.
فكل منْ يدخلُ الجنَّةَ على صُورة آدمَ، فلم يزلِ الخلقُ ينقصُ حتَّى الآن".
وهكذا رواه البخاريُّ في كتاب الاستئذان: عن يحيى بن جعفر، ومسلم: عن محمد بن رافع، كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقال الإمام أحمد: حدَّثنا رَوْح، حدَّثنا حمَّاد بن سلمةَ، عن عليِّ بن زيد، عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة؛ أن رسولَ اللَّه ﷺ قال: "كانَ طولُ آدمَ ستينَ ذِراعًا في سبع أذرعٍ عرضًا".
انفردَ به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان، حدَّثنا حمَّاد بن سلمةَ، عن عليِّ بن زيد، عن يُوسف بن مِهْران، عن ابن عبَّاس، قال: لما نزلتْ آيةُ الدين قال رسولُ اللَّه ﷺ: "إنَّ أوَّلَ من جحدَ آدمُ، إنَّ أوَّلَ من جحدَ آدمُ، إنَّ أوَّلَ من جحدَ آدم (١)، إنَّ اللَّهَ لما خلقَ آدمَ، مسحَ ظهرَه، فأخرجَ منه ما هو ذارئ (٢) إلى يوم القيامة، فجعلَ يعرضُ ذُريَّتَه عليه، فرأى فيهم رجلًا يَزْهرُ (٣).
قال: أي ربِّ! منْ هذا؟ قال: هذا ابنُك داود.
قال: أي ربِّ! كم عمرُه؟ قال: ستون عامًا.
قال: أي رب زدْ في عُمُره.
قال: لا، إلا أن أزيده من عُمُركَ.
وكان عمرُ آدمَ ألفَ عامٍ، فزادهَ أربعين عامًا.
فكتبَ اللَّه عليه بذلك كتابًا، وأشهدَ عليه الملائكة، فلما احْتُضِرَ آدمُ أتته الملائكة لقَبْضِه.
قال: إنه قد بقيَ من عُمْري أربعونَ عامًا.
فقيل له: إنك قد وهبتَها لابنكَ داود.
قال: ما فعلتُ.
وأبرزَ اللَّه عليه الكتابَ، وشهدتْ عليه الملائكة".
وقال أحمد: حدَّثنا أسودُ بن عامر، حدَّثنا حمَّاد بن سلمة، عن عليِّ بن زيد، عن يوسفَ بن مِهْران، عن ابن عبَّاس، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "إن أوَّلَ منْ جحدَ آدمُ -قالها ثلاث مرَّات- إن اللَّه لما خلقَه مسحَ ظهرَه، فأخرجَ ذريَّتَه، فعرضَهم عليه، فرأى فيهم رجلًا يَزْهرُ، فقال: أي ربِّ! زدْ في عُمُره.
لا، إلا أن تزيدَه أنت من عمرك.
فزادَه أربعينَ سنةً من عُمُره، فكتبَ اللَّه تعالى عليه كتابًا، وأشهدَ عليه الملائكةَ، فلما أراد أن يقبضَ روحَه، قال: إنَّه بقيَ من أجلي أربعونَ سنةً، فقيل له: إنَّك قد جعلتَها لابنكَ داود.
قال: فجحدَ.
قال: فأخرجَ اللَّه الكتابَ وأقامَ عليه البيِّنة، فأتمَّها لداودَ مئة سنةٍ، وأتم لآدمَ عمرَه ألفَ سنةٍ".
تفرد به أحمد وعلي بن زيد في حديثه نكارة.
ورواه الطبراني: عن علي بن عبد العزيز، عن حجَّاج بن مِنْهال، عن حمَّاد بن سلمةَ، عن عليِّ بن زيد، عن يوسفَ بن مِهْران، عن ابن عبَّاس.
وغير واحد: عن الحسن، قال: لما نزلتْ آيةُ الدَّيْن قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: "إنَّ أوَّلَ من جحدَ آدم" ثلاثًا.
وذكرَه.
وقال الإمام مالك بن أنس في "موطئه": عن زيد بن أبي أُنَيْسَةَ، أن عبدَ الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطَّاب أخبرَه، عن مسلم بن يَسار الجهني: أن عمرَ بن الخطَّاب سُئل عن هذه الآية: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢].
الآية.
فقال عمرُ بن الخطَّاب: سمعتُ رسول اللَّه ﷺ سُئل عنها، فقال: "إنَّ اللَّهَ خلقَ آدمَ ﵇، ثمَّ مسحَ ظهرَه بيمينه، فاستخرجَ منه ذريَّةً.
قال: خلقتُ هؤلاء للجنَّة، وبعملِ أهلِ الجنَّةِ يعملونَ، ثم مسحَ ظهرَه فاستخرجَ منه ذريَّةً.
قال: خلقتُ هؤلاء للنَّار وبعملِ أهل النَّار يعملون".
فقال رجلٌ: يا رسول اللَّه! ففيمَ العملُ؟ قال رسولُ اللَّه ﷺ: "إذا خلقَ اللَّه العبدَ للجنَّة استعمَله بعمل أهل الجنَّة، حتى يموتَ على عملٍ من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنَّة.
وإذا خلقَ اللَّه العبدَ للنَّار استعملَه بعملِ أهلِ النَّار حتَّى يموتَ على عملٍ من أعمال أهل النَّار فيدخل به النَّار".
وهكذا رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذيُّ، والنَّسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو حاتم بن حِبَّان في صحيحه، من طرف عن الإمام مالك، به.
وقال الترمذيُّ: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر.
وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة، زاد أبو حاتم: وبينهما نعيم بن ربيعة.
وقد رواه أبو داود عن محمَّد بن مُصفَّى، عن بقية، عن عمر بن جُعْثُم، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يَسار، عن نعيم بن ربيعة، قال: كنتُ عند عمر بن الخطاب وقد سُئل عن هذه الآية.
.
فذكر الحديث.
وهذه الأحاديث كلُّها دالَّة على استخراجه تعالى ذريَّة آدمَ من ظهره كالذَّرِّ، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين وأهل الشمال، وقال: هؤلاء للجنَّة ولا أُبالي، وهؤلاء للنَّار ولا أُبالي.
فأما الإشهادُ عليهم واستنطاقُهم بالإقرار بالوحدانية، فلم يجئ في الأحاديث الثابتة.
وتفسير الآية التي في سورة الأعراف وحملُها على هذا فيه نظرٌ كما بيَّناه هناك.
وذكرنا الأحاديثَ والآثار مستقصاة بأسانيدها وألفاظ متونها.
فمن أراد تحريره فليراجعه ثمَّ، واللَّه أعلم.
فأما الحديثُ الذي رواه أحمد: حدَّثنا حُسَيْنُ بن محمَّد، حدَّثنا جريرٌ -يعني ابن حازم- عن كُلثوم بن جَبْر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبَّاس، عن النبيِّ ﷺ قال: "إن اللَّه أخذ الميثاقَ من ظهرِ آدمَ بنُعْمان يوم عرفة، فأخرجَ من صُلْبه كل ذريَّةٍ ذرأها، فنثرَها بين يديْه، ثم كَلّمَهُم قُبُلًا، قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧) أَوْ تَقُولُوا﴾ إلى قوله: ﴿الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣] " فهو بإسناد جيد قويّ على شرط مسلم.
رواه النَّسائي، وابن جرير، والحاكم في "مستدركه"من حديث حُسين بن محمد المروزي، به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه، إلا أنه اختلف فيه على كُلثوم بن جَبْر، فروي عنه مرفوعًا وموقوفًا.
وهكذا رُوي عن سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس موقوفًا.
وهكذا رواه العوفي والوالبي والضحَّاك وأبو جمرة عن ابن عباس قوله.
وهذا أكثرُ وأثبتُ، واللَّه أعلم.
وهكذا رُوي عن عبد اللَّه بن عمر موقوفًا ومرفوعًا والموقوف أصحُّ.
واستأنسَ القائلون بهذا القول، وهو أخذُ الميثاق على الذريَّة، وهم الجمهور، بما قال الإمام أحمد: حدَّثنا حجَّاج، حدَّثني شعبةُ، عن أبي عمران الجَوْني، عن أنس بن مالك، عن النبيِّ ﷺ قال: "يُقالُ للرجل من أهل النَّار يومَ القيامة: لو كان لك ما على الأرضِ من شيءٍ أكنتَ مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم.
فيقولُ: قد أردتُ منكَ ما هو أهونُ من ذلك، قد أخذتُ عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئًا، فأبيتَ إلا أن تُشركَ بي".
أخرجاه من حديث شعبة، به.
وقال أبو جعفر الرازيّ: عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيِّ بن كَعْب، في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآية والتي بعدها.
قال: فجمَعهم له يومئذٍ جميعًا ما هو كائنٌ منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صوَّرَهم، ثم استنطقَهم، فتكلَّمُوا، وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهد عليهم أنفسهم: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآية.
قال: فإنِّي أشهدُ عليكم السماواتِ السبع والأرضين السبع، وأُشهد عليكم أباكم ألا تقولوا يومَ القيامة: لم نعلمْ بهذا، اعلموا أنه لا إلهَ غيري، ولا ربَّ غيري، ولا تشركوا بي شيئًا، وإنِّي سأرسلُ إليكم رسلًا يُنذرونَكم عَهْدي وميثاقي، وأُنزلُ عليكم كتابي.
قالوا: نشهدُ أنَّكَ ربُّنا وإلهنا، لا ربَّ لنا غيركَ، ولا إلَه لنا غيرك، فأقروا له يومئذٍ بالطَّاعة.
ورفعَ أباهم آدم فنظرَ إليهم، فرأى فيهم: الغنيَّ والفقيرَ، وحَسَنَ الصورة ودون ذلك.
فقال: يا ربِّ لو سوَّيتَ بين عبادكَ؟ فقال: إنِّي أحببتُ أن أشكرَ.
ورأى فيهم الأنبياء مثل السُّرُج، عليهم النُّور، وخُضُّوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول اللَّه تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب: ٧].
وهو الذي يقول: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] وفي ذلك قال: ﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ [النجم: ٥٦] وفي ذلك قال: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٢] ".
رواه الأئمة: عبد اللَّه بن أحمد، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه، في تفاسيرهم، من طريق أبي جعفر.
ورُوي: عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبير، والحسن البَصْري، وقتادة، والسُّدِّي، وغير واحد من علماء السلف، بسياقات تُوافق هذه الأحاديث، وتقدَّم أنه تعالى لما أمرَ الملائكةَ بالسجود لآدمَ امتثلوا كلُّهم الأمرَ الإلهي، وامتنعَ إبليس من السجود حسدًا وعداوة له، فطردَه اللَّه وأبعدَه وأخرجَه من الحضرة الإلهية، ونفاه عنها، وأهبطَه إلى الأرض طريدًا ملعونًا شيطانًا رجيمًا.
وقد قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ويعلى ومحمد ابنا عُبيد، قالوا: حدَّثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "إذا قرأ ابنُ آدمَ السجدة فسجدَ، اعتزلَ الشيطانُ يبكي، يقول: يا ويله، أُمرَ ابنُ آدمَ بالسجود فسجدَ، فله الجنَّة، وأُمرتُ بالسجود، فعصيت، فلي النَّار".
ورواه مسلم: من حديث وكيع وأبي معاوية، عن الأعمش، به.
ثم لما أُسكن آدم الجنة التي أُسكنها، سواء كانت في السماء أو في الأرض على ما تقدَّم من الخلاف فيه، أقام بها هو وزوجتُه حوَّاء يأكلان منها رغدًا حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نُهيا عنها، سُلبا ما كانا فيه من اللِّباس، وأُهبطا إلى الأرض، وقد ذكرنا الاختلافَ في مواضع هبوطه منها.
واختلفوا في مقدار مقامه في الجنَّة، فقيل: بعضُ يوم من أيام الدنيا، وقد قدَّمنا ما رواه مسلم: عن أبي هريرة مرفوعًا "وخُلِقَ آدمُ في آخر ساعةٍ من ساعاتِ يوم الجمعة" وتقدَّم أيضًا حديثه عنه وفيه -يعني: يوم الجمعة- خلق آدم، وفيه أُخرج منها.
فإن كان اليومُ الذي خُلِقَ فيه أُخرجَ، وقلنا إنَّ الأيام الستة كهذه الأيام، فقد لبثَ بعضَ يوم من هذه، وفي هذا نظر.
وإن كان إخراجُه في غير اليوم الذي خُلِقَ فيه، أو قلنا بأنَّ تلك الأيام مقدارُها ستة آلاف سنة، كما تقدَّم عن ابن عباس ومجاهد والضحَّاك، واختاره ابن جرير، فقد لبثَ هناك مدة طويلة.
قال ابن جرير: ومعلومٌ أنه خُلِقَ في آخر ساعة من يوم الجمعة، والساعة منه ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فمكث مصوَّرًا طينًا قبل أن يُنفخ فيه الروح أربعين سنة، وأقام في الجنَّة قبلَ أن يهبطَ ثلاثًا وأربعينَ سنة وأربعة أشهر.
واللَّه تعالى أعلم وقد روى عبد الرزاق: عن هشام بن حسَّان، عن سوَّار، خَبر عطاءَ بن أبي رباح: أنه كان لما أُهبط رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، فحطَّه اللَّه إلى ستين ذراعًا.
وقد رُوي عن ابن عباس نحوه.
وفي هذا نظر لما تقدَّم من الحديث المتفق على صحته: عن أبي هريرة؛ أن رسول اللَّه ﷺ قال: "إنَّ اللَّه خلقَ آدمَ وطولُه ستونَ ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقصُ حتى الآن".
وهذا يقتضي أنه خُلِقَ كذلك لا أطول من ستين ذراعًا، وأن ذرِّيته لم يزالوا يتناقصُ خلقهم حتى الآن.
وذكر ابن جرير: عن ابن عبَّاس: إن اللَّه قال: يا آدم! إنَّ لي حَرَمًا بحيال عرشي، فانطلقْ فابن لي فيه بيتًا، فطُفْ به كما تطوفُ ملائكتي بعرشي.
وأرسلَ اللَّه له مَلَكًا فعرَّفه وعلَّمه المناسك.
وذكرَ أنَّ موضعَ كلِّ خطوة خطاها آدم صارت قريةً بعد ذلك.
وعنه: أنَّ أوَّل طعام أكلَه آدمُ في الأرض، أنْ جاءَه جبريلُ بسبع حبَّات من حِنْطةٍ، فقال: ما هذا؟ قال: هذا من الشجرة التي نُهيتَ عنها فأكلتَ منها.
فقال: وما أصنعُ بهذا؟ قال: ابذرْه في الأرض، فبذرَه، وكان كلُّ حبَّةٍ، منها زِنتُها أزيدُ من مئة ألف، فنبتتْ، فحصدَه، ثم درسَه، ثم ذرَّاه، ثم طحنَه، ثم عجنَه، ثم خبزَه فأكلَه بعد جَهْد عظيم وتَعَبٍ ونَكَد، فذلك قوله تعالى: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧].
وكان أول كسوتهما من شعر الضأن، جزَّاه ثم غزلاه فنسج آدم له جبة، وَلِحَوَّاءَ درعًا وخمارًا.
واختلفوا: هل وُلد لهما بالجنَّة شيءٌ من الأولاد، فقيل: لم يُولد لهما إلا في الأرض.
وقيل: بل وُلد لهما فيها، فكان قابيلُ وأختُه ممن وُلد بها، فاللَّه أعلم.
وذكروا أنه كان يُولد له في كلِّ بطنٍ ذكرٌ وأنثى، وأُمِرَ أنْ يُزوِّجَ كلَّ ابنٍ أختَ أخيه التي وُلدت معه والآخر بالأخرى وهلمَّ جرًّا، ولم يكن تحلُّ أختٌ لأخيها الذي وُلدت معه.
(١) كذا في الأصل، كررها ثلاثًا وفي المسند: "إن أوَّل من جحدَ آدم أو أول من جحد آدم.
إلخ"، فالتكرار ثلاث مرات ليس في حديث عفان، وإنما في حديث أسود بن عامر الآتي بعده.
(٢) ذارئ: خالق، من صفات اللَّه
(٣) يَزْهَرُ: يتلألأ، ويُضيء حسنًا.
مختارات