" حنيـن وأنيـن "
" حنيـن وأنيـن "
كانت فتاة هادئة وذات أخلاق رفيعة تزوجت من رجل يماثلها في الطباع والأخلاق.. وكانت له نعم الزوجة تعرف حقوقه.. تطيعه إذا أمر.. وتسره إذا نظر.. وتكرم أهله، وتحفظ ماله..دامت حياتهما وهما في تفاهم ووئام ولم يُعكر عليهما صفو حياتهما سوى أنه مضى على زواجهما بضع سنوات ولم يُرزقا خلالها بأطفال يضفون على حياتهما البهجة والسرور، ويملؤون حياتهما مرحا وسعادة..فجدا في البحث عن كل باب يمكن أن يوصلهما إلى الإنجاب فلم يدعا طبيبا مشهورا، ولا أدوية شعبية، ولا عملية جراحية إلا سعوا إليها حتى أنهما سافرا للخارج من أجل العلاج، وأجريت للزوجة بعض العمليات الجراحية.. لكنها مع كل ذلك لم تر النتيجة المرغوبة..وكم قاست الزوجة من ذلك وتحملت من الآلام النفسية والجسدية، وكم كانت تتحرق شوقا عندما ترى طفلا تلاعبه أمه وتداعبه وتتمنى أن ترى لها ابنا تلاعبه وتضاحكه وتضمه إلى صدرها، وتسقيه من حنانها، وتسعد به زوجها وتربيه على طاعة الله وطلب رضاه.. تحفظه القرآن.. وتعده ليكون داعية إلى الله تعالى.
وكم كانت تتألم حينما ترى زوجها وهو ينظر إلى الأطفال، وكلما اقترب من أحدهم أخذ يلاعبه ويداعبه، والحزن يملأ عينيه وقلبه.. فآثرت أن تقبل بزواجه مرة أخرى..فربما يرزقه الله الولد من غيرها.. ولقد كانت هذه الفكرة قاسية عليها وخصوصا وأنها امرأة هادئة الطباع تكتم آلامها وأحزانها وتحاول أن لا تظهرها لأحد..كما أنها تخشى أن ينصرف عنها زوجها إلى الأخرى فتبقى هي بلا زوج ولا ولد.. وخصوصا أن جميع الأطباء في داخل البلاد وخارجها أجمعوا على أنه لا أمل لها في الإنجاب..كانت تقاوم مشاعر الرفض وتحاول أن تتغلب عليها وكلها أمل في أن يعوضها الله خيرا..لم تتمن أكثر من أن لا يتغير عليها ودّ زوجها لها ورقته معها ومراعاته لمشاعرها.. وأن يكون أبناؤه بمثابة أبنائها.. حاولت أن تكتم مشاعرها أمام زوجها حتى لا تقلقه..لكن آثار الحزن كانت ظاهرة عليها مهما حاولت إخفاءه، وبعد أن تزوج لم تجد سوى الله تعالى.. تبثه آلامها وأحزانها.. همها وغمها.. خوفها ورجاءها.. طرحت نفسها بين يديه.. وأسلمت أمرها إليه.. ودعته تعالى أن يزيل عنها همها ويربط على قلبها.. وأن يشغلها بطاعته عن آلامها وأحزانها.. وأن يملأ قلبها يقينا ورضا بقضائه وقدره..لقد تذرعت بالصبر.. وأوكلت أمرها إلى الله، وكانت على ثقة من أن الله تعالى لن يخيب ظنها.. وأنه تعالى سيزيل همها.. ويعوضها خيرا في زوجها وأبنائه..كانت تشعر بالأسى والحزن فالكل يبارك زواجه ويدعو لهم بالذرية التي حرموا منها العديد من السنوات.. وكانت كلما شعرت بذلك لجأت إلى مصلاها واتجهت إلى ربها العليم بحالها تبثه شكواها وأحزانها..لم تشك للمخلوقين ولم تطلب مشورتهم..لقد استغنت بالله عنهم فأغناها الله الرحيم الكريم، وأزال همها وبارك الله لها في زوجها الذي كان يرفق بها ويراعيها، ويحاول إسعادها وإخراجها مما هي فيه من حزن وألم، ورزقها الله من حيث لا تحتسب..لم تتوقع أن ترزق بالولد بعد أن كان جميع الأطباء في خارج البلاد وداخلها قد أدخلوها في دوامة اليأس من الإنجاب، فأخلف الله ظنهم ورزقها الولد قبل الزوجة الثانية.. لما أقبلت على ربها وطرقت بابه واستغنت به عن الخلق فأغناها الله وأجاب دعاءها ورزقها الولد.
مختارات