الحارس!
في صقيع (النماص) البارد وصفير ريحها الشاتية في النوافذ
وأصوات الأشياء تتقلب على سطح المنزل...
في ضبابها المعتم
وبعد ليلة أوى فيها طفلنا متأخرا إلى فراشه...
جاءه من يوقظه للقيام إلى تلك المدرسة الريفية البعيدة حيث يشاركه الصف طالب أو اثنان فقط
إلى مدرسته الخامدة التي تشبه المقبرة
حيث الكراسي الخشبية التي كقوالب الثلج.
ربما لم يقم بحل الواجبات أو مراجعة الدروس وقد ظل يلهو البارحة من المؤكد ينتظره وابل من التوبيخ والملام.
كانت أمه مديرة لمدرسة قريبة كان يمر برفقة والده لإيصالها وعند باب المدرسة التقطت عينا الصغير:
غرفة متوهجة بأنوار المدفأة الحمراء الدافئة بجوار بوابة المدرسة حيث يتلفع رجل بفروة كثيفة في فراش ذي إطلالة على الداخلين والخارجين وبالقرب منه دورق الشاي يتصاعد بخاره المتكثف في ذلك اليوم المتشبع بالرطوبة
ورائحة النعناع تصل إلى أنف الصغير وهو يودع أمه عند الباب.
ألقى نظرة إلى رجل مسن مستلق لا يبدي اكتراثا بأي شيء
معه سلة طعام وتلفاز
يتبادل النكات أحيانا مع أحدهم ويتضاحكون...
تستدير السيارة كل يوم وتختطف الطفل من هذا المشهد لتلقيه في،فصله البارد ودروسه المملة ويومه الطويل....
ولكنه يصطحب في عقله لوحة حارس المدرسة المطمئن الذاهل عن القلق والمخاوف والارتباك
حيث جدران الغرفة الحمراء ودورق الشاي الحار
وفي...ليلة تتسامر فيها عائلته
يلقى عليه وعلى إخوته سؤال عن الطموح والأمل والمستقبل...
عن التطلع والشغف والأحلام
عن أمنيات الطفولة
عن أجوبة الصغار المعتادة طبيب أو طيار أو مهندس أو مدير أو نجم كروي...
يتحفز طفلنا للجواب عندما جاءه الدور
ويدحرج إجابة صاعقة للحاضرين
أريد أن أكون: حارس مدرسة
انفجر الجالسون بالضحك من هذه الحلم المتواضع...
أعادوا السؤال
ربما كان يمزح
أعاد الفيلسوف الصغير الجواب بكل ثقة
أصبحت إجابته طرفة تتناولها العائلة والأقارب من حين لآخر.
لكنها لم تكن طرفة في،الحقيقة
إنها جواب عاقل من فطرة الطفل السوية قبل تشويهها
لقد عبر بعقله الصغير زخارف الصورة إلى العمق والجوهر
ربما لا يكون الحارس سعيدا كما كان يتوقع الطفل لكن الفكره في ذاتها صائبة.
المغزى والجوهر وليس الإطار والصورة.
مختارات