مثل ابن آدم وإلى جنبيه تسعة وتسعون منيةً
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُثِّلَ ابْنُ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً؛ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ)(1).
شرح المفردات(2):
(مُثِّلَ): بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ مُثَلَّثَةٍ أَيْ صُوِّرَ وَخُلِقَ. وَقِيلَ: (مَثَلُ ابنُ آدَمَ): بِفَتْحَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ، وَيُرِيدُ بِهِ: صِفَتَهُ وَحَالَهُ الْعَجِيبَةَ الشَّأْن.
(اِبْنُ آدَمَ): بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ.
(وَإِلَى جَنْبِهِ): الْوَاوُ لِلْحَالِ، أي: بِقُرْبِهِ.
(تِسْعٌ وَتِسْعُونَ): أَرَادَ بِهِ الْكَثْرَةَ دُونَ الْحَصْرِ.
(مَنِيَّةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ، أي: بَلِيَّةً مُهْلِكَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَي: سَبَبُ مَوْتٍ.
(وَقَعَ فِي الْهَرَمِ): الْهَرَمُ مُحَرَّكَةٌ أَقْصَى الْكِبَرِ.
مفهوم الحديث:
في الحديث بيان حَال اِبْنِ آدَمَ أَنَّ تِسْعًا وَتِسْعِينَ مَنِيَّةً مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى نَحْوِهِ مُنْتَهِيَة إِلَى جَانِبِهِ، وَقِيلَ: مَثَلُ ابْنِ آدَمَ مَثَلُ الَّذِي يَكُونُ إِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ أَنَّ أَصْلَ خِلْقَةِ الإِنْسَانِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لاَ تُفَارِقَهُ الْمَصَائِبُ وَالْبَلايَا وَالأَمْرَاضُ وَالأَدْوَاءُ كَمَا قِيلَ: " الْبَرَايَا أَهْدَافُ الْبَلايَا ".
وَكَمَا قَالَ صَاحِبُ الْحِكَمِ ابْنُ عَطَاءٍ: مَا دُمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ لا تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ، فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ تِلْكَ النَّوَائِبُ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ أَدْرَكَهُ مِن الأَدْوَاءِ الدَّاءُ الَّذِي لا دَوَاءَ لَهُ وَهُوَ الْهَرَمُ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ صَابِرًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، رَاضِيًا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَضَاهُ(3).
فوائد الحديث:
1- على المسلم حسن الاستعداد للآخرة، فإن الموت مدركه مهما طال عمره.
2- أن الموفق هو من اغتنم أوقات صحته وقوته وفراغه، حتى لا يدركه الموت وهو مفرط في طاعة ربه، ومقيم على معصيته.
3- أن الهرم من المصائب، لما يصاحبه من الضعف وانحلال القوى، ولذا شرع للمسلم أن يستعيذ بالله تعالى منه(4).
(1) جامع الترمذي، برقم: (2456). وصحّحه الألباني، ينظر: الجامع الصغير وزيادته، 1/ 1077، برقم: (10764)، وصحيح الجامع، برقم: (5825).
(2) ينظر: تحفة الأحوذي، 6/ 304.
(3) ينظر: المرجع السابق.
(4) كما في البخاري رقم 2667،(4 / 200 - 202) ومسلم رقم2723 (8 / 75).
مختارات