أحوال الذكر والذاكر
هيئة الذاكر:
يجوز أن يذكر الإنسان في كل هيئاته وأحواله:
لقول الله تعالى: (إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما وَقُعوداَ وَعلى جُنوبِهمْ وَيَتَفكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ.) [آل عمران: 190 - 191].
عن عائشة، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه». مسلم
وثبت في (الصحيحين)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن). وفي رواية: (ورأسه في حجري وأنا حائض).
وجاء عن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: (إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعةٌ على السرير).
الأكمل والأفضل:
قال النووي: "ينبغي أن يكون الذاكرُ على أكمل الصفات: 1 جالساً 2 يستقبل القبلة يجلس مُتذلِّلاً مُتخشعاً بسكينة ووقار، مُطرقاً رأسه".
وينبغي أيضاً أن يكون فمه نظيفاً؛ فإن كان فيه تغيُّر أزاله بالسِّواك:
لحديث: "إن الملائكة لتتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" / "إن العبد إذا استاك وقام يصلي جاء الملك..."
تأمل: من جليل أحوال الذاكر: استحضار صحبة الملائكة...
عقد التسبيح بالأصابع أفضل من السبحة:
عن بن عمر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقد التسبيح بيمينه. رواه أبو داود.
وعن بسيرة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات».
فعده بالأصابع أفضل من السبحة؛ بل ذهب بعض العلماء إلى القول ببدعية استعمال السبحة؛ لكنه في رأيي قول مرجوح..
الذكر في حال الحيض والجنابة:
"أجمع العلماءُ على جواز الذكر بالقلب واللسان للمُحْدِث والجُنب والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء وغير ذلك". الأذكار للنووي
أما قراءة القرآن فحرامٌ على الجُنب والحائض والنفساء، عند بعض العلماء..
لكن قالوا: يجوز لهم إجراءُ القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النَّظَرُ في المصحف، وإمرارُه على القلب.
والراجح من قولي العلماء؛ أنه يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن وتمس المصحف، للبراءة الأصلية وظواهر بعض النصوص. / لي في الموضوع مقالة سأضعها لكم في مجموعة المنتدى.
مكان الذكر:
الأكمل أن يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خالياً[1] نظيفاً، فإنه أعظمُ في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة: عن الأغر أبي مسلم، أنه قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده». رواه مسلم.
وجاء عن الإِمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: (لا يُذكر اللَّهَ تعالى إلاَّ في مكان طيّب).
مجالس الذكر:
قال النووي: "كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، منها:
1 حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا. قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ لله تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ ".
2 وروينا في (صحيح مسلم)، عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: (خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال: " ما أجْلَسَكُم؟ قالوا: جلسنا نذكُر الله تعالى ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آلله ما أجْلَسَكُمْ إلا ذاك؟ أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ الله تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ ".
الكيفية:
لها صور:
1 كل يذكر في نفسه ولا يتواطؤون
2 واحد يتلو القرآن والآخرون ينصتون ثم يتدارسون المقروء: سبب النزول / المعاني... إلـخ.
3 مجالس العلم من مجالس الذكر:
قال عطاء رحمه الله: مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ وتصلّي وتصومُ وتنكحُ وتطلّق وتحجّ، وأشباه هذا.
متى يكره الذكر؟
سبق أن الذكر محبوبٌ في جميع الأحوال..؛ إلا في أحوال وردَ الشرعُ باستثنائها:
1 يُكره الذكرُ حالة الجلوس على قضاء الحاجة
2 وفي حالة الخُطبة لمن يسمعُ صوت الخطيب
3 وفي القيام في الصلاة، بل يشتغلُ بالقراءة
4 وفي حالة النعاس.
-قيل: في حالة الجِماع، (ولم نقف له على دليل؛ فإن قيل: لعله لاستقذار المني؛ فليس نجسا..)
-ولا يُكره في الطريق ولا في الحمَّام، والله أعلم.
انظر: الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص: 12)
ما هي الأحوال لتي يستحب فيها قطع الذكر؟
هناك أحوال تعرضُ للذاكر يُستحبّ له قطعُ الذكر بسببها ثم يعودُ إليه بعد زوالها:
منها إذا سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطسَ عنده عاطس شمَّته ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيبَ، وكذا إذا سمع المؤذّنَ أجابَه في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكراً أزاله، أو معروفاً أرشد إليه، أو مسترشداً أجابه ثم عاد إلى الذكر، كذا إذا غلبه النعاس أو نحوه.
وما أشبه هذا كله.
مختارات