مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع
عن كَعْب بن مالك قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِن الزَّرْعِ، تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ؛ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْء، حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً (1).
شرح المفردات(2):
( الْخَامَة ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وَهِيَ: الطَّاقَة وَالْقَصَبَة اللَّيِّنَة مِن الزَّرْع، وَأَلِفهَا مُنْقَلِبَة عَنْ وَاو.
(تُمِيلهَا وَتُفِيئهَا) معناهما وَاحِد، وَمَعْنَاهُ: تُقَلِّبهَا الرِّيح يَمِينًا وَشِمَالًا.
( تَصْرَعُهَا) تَخْفِضهَا.
( تَعْدِلُها) بِفَتْحِ التَّاء وَكَسْر الدَّال، أي: تَرْفَعهَا.
( تَهِيج) تَيْبَس.
( تَسْتَحْصِد) بِفَتْحِ أَوَّله وَكَسْر الصَّاد، أي: لَا تَتَغَيَّر حَتَّى تَنْقَلِع مَرَّةً وَاحِدَةً كَالزَّرْعِ الَّذِي اِنْتَهَى يُبْسه.
(الْأَرْزَة) بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَرَاء سَاكِنَة ثُمَّ زَاي، شَجَر مَعْرُوف يُقَال لَهُ: الْأَرْزَن، يُشْبِه شَجَر الصَّنَوْبَر، بِفَتْحِ الصَّاد يَكُون بِالشَّامِ وَبِلَاد الْأَرْمَن، وَقِيلَ: هُوَ الصَّنَوْبَر.
(الْمُجْذيَة) فَبِمِيمٍ مَضْمُومَة ثُمَّ جِيم سَاكِنَة ثُمَّ ذَال مُعْجَمَة مَكْسُورَة، وَهِيَ الثَّابِتَة الْمُنْتَصِبَة، يُقَال مِنْهُ: جَذَبَ يَجْذِب وَأَجْذب يجْذِب.
(وَالِانْجِعَاف) الِانْقِلَاع.
شرح الحديث:
قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمُؤْمِن كَثِير الْآلَام فِي بَدَنه أَوْ أَهْله أَوْ مَاله، وَذَلِكَ مُكَفِّر لِسَيِّئَاتِهِ، وَرَافِع لِدَرَجَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِر فَقَلِيلهَا، وَإِنْ وَقَعَ بِهِ شَيْء لَمْ يُكَفِّر شَيْئًا مِنْ سَيِّئَاته، بَلْ يَأْتِي بِهَا يَوْم الْقِيَامَة كَامِلَةً (3).
وقال ابن القيم: (هذا المثل ضرب للمؤمن وما يلقاه من عواصف البلاء والأوجاع والأوجال وغيرها فلا يزال بين عافية وبلاء، ومحنة ومنحة، وصحة وسقم، وأمن وخوف، وغير ذلك، فيقع مرة ويقوم أخرى، ويميل تارة ويعتدل أخرى، فيكفر عنه بالبلاء ويمحص به ويخلص من كدره، والكافر كله خبث ولا يصلح إلا للوقود فليس في إصابته في الدنيا بأنواع البلاء من الحكمة والرحمة ما في إصابة المؤمن فهذه حال المؤمن في الابتلاء)(4).
من فوائد الحديث:
1- أن الله تعالى يبتلى عبده المؤمن بالمصائب والنكبات وأنواع من البلاء؛ حتى يكفر من سيئاته وخطاياه.
2- على المؤمن أن يصبر على ما يصيبه من البلاء، ويعلم أن العاقبة حميدة بإذن الله لمن صبر واحتسب.
3- في الحديث تسلية للمؤمن عما يصيبه من محن وابتلاءات في هذه الحياة، فينبغي على العبد أن يستسلم لقضاء الله وقدره، وأن يعلم أن كل ما يصيبه في الدنيا ففيه الخير له؛ فإن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له.
4- أن الكافر يبقى لا يصيبه البلاء، حتى يهلكه الله، وهذا في الغالب، وإلا فإن هناك من الكفرة من تصيبه البلايا والمحن.
(1) صحيح مسلم، برقم: (2810).
(2) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 151.
(3) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 153.
(4) مفتاح دار السعادة [1 / 127].
مختارات