فقه الإيمان بالكتب (١)
قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: ٢ - ٤].
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦)} [النساء: ١٣٦].
الله تبارك وتعالى هو خالق هذا الكون العظيم، وله ملك السموات والأرض وما فيهن، وله ملك الدنيا والآخرة، ولا بد للملك في ملكه من أوامر، ومن جنود تنفذ وتؤدي هذه الأوامر.
وأوامر الله نوعان:
أوامر كونية.
وأوامر شرعية.
فأوامر الله الكونية القدرية وكل الله الملائكة بتنفيذها في هذا الكون في مخلوقاته سبحانه كما قال سبحانه عن الملائكة: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)} [النازعات: ٥].
وأوامر الله الشرعية هي الكتب السماوية التي أنزلها الله عزَّ وجلَّ على رسله، وهي تشتمل على الأوامر الشرعية التي تصلح بها أحوال العباد، وتعرفهم بخالقهم ومعبودهم، وما يحب وما يكره، وما يرضيه وما يسخطه من الأقوال والأعمال والأخلاق، وتبين ما للناس بعد القدوم على ربهم في الآخرة من الثواب والعقاب.
فلا بد للملك في ملكه من أوامر تصلح بها أحوال رعيته:
من حث وتحريص، ونهي وتحذير، وترغيب وترهيب.
فمن أحسن أثيب.
ومن أساء عوقب.
ولا بد للملك من سفراء بينه وبين خلقه وهم الرسل الذين يستقيمون على أوامر الله، ويطيعونه تمام الطاعة، ويبينون للناس ما نزل إليه من ربهم من أوامر وأحكام، ويحكمون بين الناس بالعدل والحق في الدنيا، وينفذون أوامره في خلقه، ويبلغون شرعه.
ولا بد أن تكون للملك محكمة يحاسب فيها من أطاعه ومن عصاه، فيجزي على الخير خيراً، ويجزي على الشر ما يستحقه من العقوبة، وذلك يوم القيامة.
وبعد الحساب يكون للناس فريقين:
فريق في الجنة، وفريق في السعير:
فيكرم الله تبارك وتعالى بالجنة كل من آمن به وأطاعه وعمل بالكتاب الذي أنزله واتبع الرسول الذي أرسله كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣)} [النساء: ١٣].
ويهين ويذل كل من كفر به وعصاه بما أعد لهم من العذاب في النار كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)} [النساء: ١٤].
والإيمان بالكتب:
هو التصديق الجازم بأن الله عزَّ وجلَّ أنزل كتباً على أنبيائه ورسله هداية لعباده.
وهي من كلام الله حقيقة.
وأن ما تضمنته حق لا ريب فيه.
منها ما سمى الله في كتابه.
ومنها ما لا يعلم أسماءها وعددها إلا الله وحده لا شريك له.
وقد بين الله عزَّ وجلَّ في القرآن أنه أنزل الكتب الآتية:
١ - صحف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -.
٢ - التوراة، وهو الكتاب الذي أنزله الله على موسى - صلى الله عليه وسلم -.
٣ - الزبور، وهو الكتاب الذي أنزله الله على داود - صلى الله عليه وسلم -.
٤ - الإنجيل، وهو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى - صلى الله عليه وسلم -.
٥ - القرآن، وهو الكتاب الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة، وهو آخر الكتب السماوية إلى البشر.
فنؤمن بأن الله عزَّ وجلَّ أنزل الكتب السابقة لهداية عباده، وهي شريعة الله ودينه في أوقاتها، ونصدق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة.
ونعمل بأحكام ما لم ينسخ منها مع الرضا والتسليم، ونؤمن بما لم نعلم اسمه من الكتب السماوية إجمالاً.
وجميع الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها منسوخة بالقرآن العظيم كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٤٨].
وما في أيدي أهل الكتاب مما يسمى بالتوراة والإنجيل، أو العهد القديم، والعهد الجديد، لا تصح نسبته كله إلى أنبياء الله ورسله، فقد كتب بعدهم، ووقع فيهم التحريف والتبديل، ومنها ما كتموه، ومنها ما افتروه، كقول اليهود عزير ابن الله، وقول النصارى المسيح ابن الله، واتهام الأنبياء بما لا يليق بمقامهم، ووصف الخالق بما لا يليق بجلاله ونحو ذلك.
فيجب رد ذلك كله، وعدم الإيمان إلا بما جاء في القرآن والسنة تصديقه.
وإذا حدثنا أهل الكتاب فلا نصدقهم ولا نكذبهم ونقول:
آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان ما قالوه حقاً لم نكذبهم، وإن كان ما قالوه باطلاً لم نصدقهم، ونجادلهم بالتي هي أحسن إلا الظالم منهم، ومجادلتنا لهم مبنية على الإيمان بما أنزل إلينا، وأنزل إليهم، وعلى الإيمان برسولنا ورسلهم، وأن إلهنا جميعاً واحد، فلا نقدح في شيء من كتب الله المنزلة، ولا في أحد من رسله كما قال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)} [العنكبوت: ٤٦].
مختارات

