شرح دعاء" اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا طيبا، وعملا متقبلا"
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا)([1]).
الشرح:
هذا الدعاء المبارك الذي كان صلى الله عليه وسلم يستفتح بعد صلاة الصبح به كل يوم في غاية المناسبة؛ لأن الصبح هو بداية اليوم، ومفتتحه والمسلم ليس له مطمع في يومه إلا تحصيل هذه الأهداف، والمقاصد العظيمة، والأهداف النبيلة في تحديد همته في أول النهار، وهي (العلم النافع، والرزق الطيب، والعمل المتقبل)، وكأنه في افتتاحه ليومه بذكر هذه المقاصد الثلاثة دون غيرها، يحدّد أهدافه ومقاصده في يومه، ولا ريب في ذلك أنه أجمع للقلب، وأضبط لسير العبد([2])، ومسلكه في هذه الحياة، وفيه استعانة وتضرّع لربه في صباحه، وأول يومه أن يمدَّ له العون، والخير، والتوفيق للسير على هذه الأهداف كل يوم؛ فإن هذه المقاصد الثلاث عليها الفلاح في الدنيا والآخرة.
وتأمّل كيف بدأ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء بسؤال اللَّه العلم النافع، قبل سؤاله الرزق الطيب، والعمل المتقبَّل، وفي هذا إشارة إلى أن العلم النافع مقدم به، وبه يبدأ، قال اللَّه تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات"([3])، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل؛ لأنه لا يمكن أن يكون العمل صحيحاً وموافقاً للكتاب والسنة دون علم، وفي البدء بالعلم النافع حكمةٌ ظاهرة لا تخفى على المتأمل، ألا وهي أن العلم النافع به يستطيع المرء أن يميز بين العمل الصالح وغير الصالح، ويستطيع أن يميّز بين الرزق الطيّب وغير الطيّب.
قوله: (علماً نافعاً) فيه دلالةٌ على أن العلم نوعان:
علمٌ نافع، وعلم ليس بنافع، كما تقدّم في حديث: (سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نافِعاً، وَتَعوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِـــــلْمٍ لَا يَنْفَعُ)([4])، قال الحسن البصري رحمه اللَّه: (العلم علمان، علم باللسان، وعلم بالقلب، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان هو حجة اللَّه على ابن آدم)([5])، فالعلم النافع هو ما باشر القلب، فأوجب له السكينة والخشوع، والإخبات للَّه تعالى، وإذا لم يباشر القلوب ذلك من العلم، وإنما كان على اللسان فهو حجة اللَّه على بني آدم.
قوله: (رزقاً طيباً) فيه إشارة كذلك إلى أن الرزق نوعان: طيب، وخبيث، واللَّه تعالى لا يقبل إلا طيباً، وقد أمر اللَّه تعالى المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا"([6])، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ"([7])، فإن من أعظم الأسباب الموجبة لإجابة الدعاء طيب المأكل.
قوله: (عملاً متقبلاً) فيه إشارة إلى أنه ليس كل عمل يتقرب به العبد إلى اللَّه متقبلاً، بل المتقبَّل من العمل هو الصالح فقط، والصالح هو ما كان للَّه تعالى وحده، وعلى هدي وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون خالصاً للَّه، وصواباً على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ([8.
فهذا دعاء عظيم النفع، كبير الفائدة، يحسن بالمسلم أن يحافظ عليه كل صباح، تأسّياً بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم يُتبع الدعاء بالعمل، فيجمع بين الدعاء، وبذل الأسباب، وهذا أكمل الدعاء؛ لينال هذه الخيرات العظيمة، والأفضال الكريمة([9]).
([1]) أخرجه ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يقال بعد التسليم، برقم 925، والنسائي في السنن الكبرى، 6/ 31، برقم 9850، وفي عمل اليوم والليلة له، برقم 102،وأحمد،
44/ 140، برقم 26521، ورقم و26602، ورقم 26700، ورقم 26731، والحاكم،
1/ 472، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/152، برقم 753.
([2]) فقه الأدعية، 4/40.
([3]) سورة محمد، الآية: 9.
([4]) ابن ماجه، كتاب الدعاء، باب ما تعوذ منه رسول اللَّه r، برقم 3843، وابن أبي شيبة،
9/ 123، برقم 27248، وأبو يعلى، 3/ 437، برقم 1927، وعبد بن حميد، ص 330، والبيهقي في شعب الإيمان، 3/ 276، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 327، بقرم 3100، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1511.
([5]) أخرجه ابن أبي شيبة، 13/ 235، برقم 35502، والدارمي، 1/ 54، والحكيم الترمذي،
2/ 176، وشعب الإيمان للبيهقي، 3/ 188، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص 313.
([6]) سورة المؤمنون، الآية:51.
([7]) سورة البقرة، الآية: 172.
([8]) قول الفضيل بن عياض في قوله تعالى:] لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ [سورة الملك، الآية:3.
([9]) فقه الأدعية والأذكار للدكتور عبد الرازاق البدر، 4/40-43.
مختارات