النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه
من أهم آداب الإسلام: احترام الآخرين وإكرامهم، وعدم الإساءة لهم وإيقاع الشك والحزن في نفوسهم، ومن مقتضى هذا الاحترام والإكرام: ألا يتناجى اثنان دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة ضرورية، والتناجي:هو التحدث سرّاً بصوت منخفض وغير مسموع أو التحدث بلغة غير مفهومة لدى الشخص الثالث، فإن حصل التناجي وكان في الخير فهو مكروه وإن كان في الشر فهو حرام وإذا احتاج الإنسان لمناجاة غيره سرّاً في أمر خاص وجب عليه أن يستأذن الحاضرين معه بأسلوب لطيف لبق.
وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى هذا كله، فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المجادلة:9]، ثم بين الله تعالى سبب المناجاة (الكلام سراً) فقال: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة:10]
كما أن التناجي سرّاً من صفات المنافقين، لقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [المجادلة:8]
هذا.. وقد أوضحت السنة النبوية آداب المجالس وضوابط التناجي، فقد ورد في الحديث المتفق عليه من رواية ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث).
وسبب تحريم تناجي اثنين دون الثالث في الشرّ: أن التناجي يؤذي الشخص الثالث ويُحزنه ويُوقعه في الحرج ويُشعره بمهانته وذلّه، وقد ورد في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه). وإيذاء المؤمن وإحزانه حرام لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب:58].
تنبيه هام: إن الغاية الكبرى من هذه التوجيهات هي حرص الإسلام على نقاوة المجتمع من ألوان الكراهية والبغضاء والحزازات، وزرع الفرقة بين الناس، فعلى المسلم والمسلمة أن يكون كل منهما حذراً من الإساءة لغيره في المجالس المختلطة، فلا يتسبب في الإساءة للآخرين، ولا يكون عوناً للشيطان في قطع عرى المودة والصلة بين المسلمين.. والله تعالى بالمرصاد لكل من أساء لنفسه وغيره، كما أن الله تعالى رحيم بعباده الأبرار المحبين للخير المبتعدين عن الشر والأذى.
* أهم المصادر والمراجع:
- الكبائر: الإمام الذهبي.
- خلق المسلم: عاشور الدمنهوري.
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- مختصر تفسير ابن كثير: الإمام ابن كثير.
- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.
مختارات