قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الموحد علاقته مع واحد أحد فرد صمد لا مع مرجعيات متعددة:
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[سورة الزمر:29]
أيها الأخوة، كأن الله سبحانه وتعالى ضرب مثلين، ضرب مثل المؤمن الموحد، وضرب مثل المؤمن الذي وقع في الشرك الخفي، الشركاء متشاكسون، أوامرهم متناقضة، إن أرضى زيداً غضب عبيد، وإن وصل فلاناً غضب علان، حياة لا تحتمل إن كان لك مرجعيات متعددة، متناقضة، ماذا تفعل؟ إرضاء الأول يغضب الثاني، تصور إنساناً آخر له مرجعية واحدة، تعرفه تماماً، هناك تفاهم، وتناغم، وتعاطف، ومعونة، ودعم، وتأييد، القضية مع واحد.
صدقوا ولا أبالغ المؤمن الموحد علاقته مع واحد، مع واحد أحد، فرد صمد، لذلك قيل: من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
قول آخر: اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
ليتك تحلو والحياة مـــريرة وليتك ترضى والأنام غضـاب
وليت الذي بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صحّ منك الوصل فالكل هين وكل الذي فوق التراب تـراب
* * *
من دعا مع الله إلهاً آخر كان في عذاب نفسي و قلق و خوف:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ﴾
[سورة الزمر:29]
رجل له زوجة، لها طلبات، إن أرضى زوجته تغضب أمه، وإن أرضى أمه تغضب زوجته، هذا مثل بسيط، إن أرضى هذا الشريك أغضب هذا الشريك، إن لبى هذه الحاجة غضب الآخر، حياة الشرك لا تحتمل، الدليل:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
[سورة الشعراء: 213]
إله، خالق السماوات والأرض يبين لك أنك إذا دعوت مع الله إلهاً آخر كنت من المعذبين، عذاب نفسي، قلق، خوف:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة الشعراء: 214-215]
من لم يكن انتماؤه إلى مجموع المؤمنين فليس مؤمناً:
أيها الأخوة، هناك ملمح دقيق في الآية، الآية:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
آية ثانية:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة الحجر: 88]
أي مؤمن.
لذلك الانتماء إلى فقاعة صغيرة، وأن تتوهم أنها وحدها على حق، هذا خطأ كبير في تصور إنسان، يجب أن يكون انتماؤك لمجموع المؤمنين، أي بشكل أو بآخر إياك ثم إياك ثم إياك أن تتوهم أن الإسلام خط رفيع، فلمجرد أن تبتعد عنه قيد أنملة خرجت من الدين، الإسلام شريط عريض، ضمن الإسلام هناك يمين ويسار، متشدد وأقل تشدداً، وكلهم على العين والرأس، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين ففي إيمانك خلل كبير، أما الانتماء إلى فقاعات صغيرة، نحن جماعة فلان، وأنت من جماعة فلان، هذه الجماعات المتناحرة التي تتراشق الاتهامات، وكل جماعة تتوهم أنها وحدها مقبولة عند الله، هذا فكر قديم، فكر تافه، يجب أن يكون انتماؤك إلى مجموع المؤمنين، وشعارك نتعاون فيما اتفقنا، و ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، شيء طبيعي جداً أن أختلف معك وأن تختلف معي في قضايا جزئية لا تقدم ولا تؤخر، أما الأصول فثابتة، الإيمان بالله، باليوم الآخر، بأحقية هذا القرآن، بالخير، بالشر، بالأحكام الكبرى، بالأصول الكبرى للدين، والمشكلة الكبيرة أيها الأخوة، أن المسلمين تسيل الدماء وبينهم قواسم مشتركة، بشكل عام المؤمن مع كل من آمن بالله في الأرض، يتعاطف معه، المسلمون بينهم خمسة وتسعين بالمئة قواسم مشتركة، بينما أعداء المسلمين يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة فقط، ويتعاونون، وعند المسلمين خمسة وتسعين بالمئة قواسم مشتركة ويتخاصمون، لذلك هذا المثل مثل التوحيد والشرك، أنت كمؤمن علاقتك مع الله، حياتك بيده، صحتك بيده، نجاحك بيده، تألقك بيده، حالتك النفسية بيده، أحياناً يسعدك، يملأ قلبك ثقةً، زوجتك بيده، أولادك بيده، أخوتك بيده، من حولك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، قال تعالى:
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
[سورة هود الآية: 55-56]
كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع:
لذلك أيها الأخوة، المؤمن عنده مقولة أقسم لكم بالله أن هذه المقولة تملأ قلبه غنىً، تملأ قلبه سعادة، تملأ قلبه طمأنينة، تملأ قلبه ثقة بالله، هذه المقولة: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يقع في ملك الله ما لا يريده الله، من شأن الألوهية ألا يقع في ملكه إلا ما يريد، إذاً كل شيء وقع لمجرد أنه وقع فقد أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والذي وقع لو لم يقع لكان ضعفاً في حكمته، إذاً كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، إذاً في حيز الواقع لا يوجد شر أبداً، هناك شر بالظاهر، مثلاً إنسان يضطجع على سرير العمليات الجراحية، ثم يخدر، ثم يفتح بطنه، ثم تستأصل هذه الزائدة الدودية التي كان لا يستطيع أن ينام الليل منها، مع أن البطن فتح، والدم سال، والتخدير شامل، بعد التخدير هناك آلام شديدة، لكنه ارتاح راحة كاملة من هذا الألم المستمر، ما لم نفهم قضاء الله وقدره بهذا الفهم فنحن بعيدون عن الإيمان، فكل شيء وقع فيه خير مطلق، علمه من علمه وجهله من جهله.
والله مرة ثانية هذه المقولة يجب أن تحفظ غيباً، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لذلك في حيز الواقع لا يوجد شر مطلق هناك شر نسبي، الشر المطلق، الشر للشر فقط، أما الشر النسبي فعملية جراحية، فتح البطن شر، لكن أفضل من بقاء الالتهاب مستمراً، يقول سيدنا عمر: " ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشريَّن، وفرق بينهما واختار أهونهما ".
المؤمن له مرجعية واحدة هي القرآن والسنة:
أنت كمؤمن لك مرجعية واحدة، هي القرآن والسنة، ترضي الله وحده إن أرضيته بسخط الناس رضي الله عنك، وأرضى عنك الناس، وإن أغضبته برضا الناس غضب الله عنك، وأغضب عليك الناس، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد لك مرجعية واحدة، التوحيد لك إله واحد، التوحيد لك آمر واحد:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ﴾
[سورة الزمر:29]
كأن الله أراد أن يقول لك: الشرك الخفي فيه متاعب كثيرة، والدليل:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
[سورة الشعراء: 213]
والتوحيد فيه راحة كبيرة، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الإيمان ألا ترى مع الله أحداً، الإيمان أن ترى أن يد الله وحدها تعمل في الخفاء، أي:
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
[سورة الصافات: 173]
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾
[سورة الطارق: 15-16]
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ﴾
[سورة الزمر:29]
الشرك عذاب للنفس والتوحيد راحة لها:
فرق كبير كبير بين حياة المؤمن التي فيها انسجام، فيها هدف، فيها إله واحد، و نبي واحد، و كتاب واحد، ومرجعية واحدة، وأمر واحد، ونهي واحد، أما بالطرف الآخر فشركاء متشاكسون، لذلك الشرك عذاب للنفس، والتوحيد راحة لها، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد:
﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ﴾
[سورة الزمر:29]
الله عز وجل أقام موازنات، قال تعالى:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[سورة الزمر:9]
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[سورة السجدة: 18]
يجب أن تعلم علم اليقين أنك أنت عند الله مميز، مقرب، الله عز وجل لا يسلمك، لا يتخلى عنك:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
[سورة التوبة الآية: 51]
لنا لا علينا.
الإيمان هو التوحيد:
لذلك أخوانا الكرام، أتمنى عليكم إذا قلت كلمة إيمان يعني التوحيد، إذا قلت كلمة إيمان يعني ألا ترى مع الله أحداً، إذا قلت كلمة إيمان:
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
[سورة الصافات: 173]
إذا قلت كلمة إيمان:
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾
[سورة الطارق: 15-16]
والحمد لله رب العالمين
مختارات