جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة وهو المصطلق بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن عمرو الخزاعية المصطلقية، كانت إحدى سبايا غزوة بني المصطلق (المريسيع) سنة خمس أو ست من الهجرة فوقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها وكانت قبله تحت مسافع بن صفوان المصطلقي والذي قتل في تلك المعركة، وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق، وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من بركتها على قومها.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بَرَّةَ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ[1].
حال جويرية بنت الحارث في الجاهلية:
كانت سيدة نساء قومها، وكان أبوها قائد بني المصطلق الذين كانوا يجمعون للنبي صلى الله عليه وسلم: عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ومحمد بن يحيى بن حيان كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: " المريسيع " من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحم الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق، وقتل الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية، وقتل من قتل منهم ونفل الله رسوله أبناءهم ونساءهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب منهم سبيًا كثيرًا قسمه في المسلمين، وكان فيما أصاب يومئذ من النساء جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيدة نساء قومها.
عمر جويرية بنت الحارث عند الإسلام:
قال ابن عمر: وأخبرني محمد بن يزيد عن جدته -وكانت مولاة جويرية بنت الحارث- عن جويرية رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة عشرين سنة، قالت توفيت جويرية سنة خمسين وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة وصلى عليها مروان بن الحكم.
قصة إسلام جويرية بنت الحارث:
كانت جويرية رضي الله عنها ضمن سبي بني المصطلق الذين غزاهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قد قتل زوجها في هذه الغزوة، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه، فكاتبت على نفسها لكونها أبية وسيدة نساء قومها، ولم يكن معها ما كاتبت عليه فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينها على ذلك، فرد عليها بما هو أفضل؛ إذ عرض عليها الزواج منها وقضاء مكاتبتها، فأجابت بالقبول وأسلمت وحسن إسلامها.
وروى ابن سعد في " الطبقات " أنه لما وقعت جويرية بنت الحارث في السبي، جاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها؛ فأنا أكرم من ذاك، فخلِّ سبيلها، فقال: «أَرَأَيْتَ إِنْ خَيَّرْنَاهَا أَلَيْسَ قَدْ أَحْسَنَّا»، قال: بلى، وأدّيت ما عليك، فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا، فقالت: فإني قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية جويرية بنت الحارث:
كان لا بد أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم أثر كبير في تربيتها، حتى أعدها لتكون أمّا للمؤمنين، فتأثرت به رضي الله عنها في عبادتها، فكانت تصوم من النوافل الكثير، حتى صامت يوم جمعة منفردا وأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تفطر، وكانت تظل تذكر الله بعد الفجر حتى الشروق كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
مناقب جويرية بنت الحارث:
كانت أعظم امرأة بركة على قومها، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: " لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَايَا بَنِى الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَوْ لاِبْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلاَحَةً لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ إِلاَّ أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُهَا فَكَرِهْتُهَا وَقُلْتُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَمَا رَأَيْتُ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدُ قَوْمِهِ وَقَدْ أَصَابَنِى مِنَ الْبَلاَءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ وَقَدْ كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعِنِّي عَلَى كِتَابَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أُؤَدِّى عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ».
فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَأَرْسَلُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا " [2].
عن مجاهد عن جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا نبي الله، أردت أن أعتق هذا الغلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَعْطِيهِ أَخَاكِ الَّذِي فِي الْأَعْرَابِ يَرْعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِكِ»
وورد أنها كانت تذكر الله من بعد الفجر وحتى شروق الشمس، وجاء في الحديث أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خَرَجَ مِن عِندِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهي في مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهي جَالِسَةٌ، فَقالَ: «ما زِلْتِ علَى الحَالِ الَّتي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قالَتْ: نَعَمْ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «لقَدْ قُلتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ مُنْذُ اليَومِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»[3].
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: لَا. قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَأَفْطِرِي»[4].
وعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَفْخَرْنَ عَلَيَّ، يَقُلْنَ: لَمْ يَتَزَوَّجْكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْتِ مِلْكُ يَمِينٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ أُعَظِّمْ صَدَاقَكِ، أَلَمْ أُعْتِقَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً مِنْ قَوْمِكِ»[5].
وعن ابن شهاب أن عبيد بن السباق قال: إِنَّ جُوَيْرِيَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: «هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟». قَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا طَعَامٌ إِلاَّ عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ أُعْطِيَتْهُ مَوْلاَتِي مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ: «قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا»[6].
وفاة جويرية بنت الحارث:
قال ابن عمر: وحدثني عبد الله بن أبي الأبيض عن أبيه قال: توفيت جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في إمارة معاوية، وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة.
قال ابن عمر: وأخبرني محمد بن يزيد عن جدته -وكانت مولاة جويرية بنت الحارث- عن جويرية رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة عشرين سنة، قالت: توفيت جويرية سنة خمسين وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة وصلى عليها مروان بن الحكم.
توفيت جويرية بنت الحارث في ربيع الأول سنة ست وخمسين[7].
مختارات