الأصل الثالث والعشرون : أنجز كل يوم شيئا جديدا
الأصل الثالث والعشرون: أنجز كل يوم شيئا جديدا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الإيمان ليخلق فى جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم " [صححه الألبانى].. اللهم جدد الإيمان فى قلوبنا.. كيف تجدد الإيمان فى قلبك؟.. أن تعمل كل يوم عملا جديدا، وذلك لأن أصل اعتقادنا أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصى.
بعض الناس بعد فترة من الالتزام يرقد ويقعد وينام.. يقف ويتعطل.. يتدهور حاله فلا يكون لديه جديد.. إن ديننا – أيها الإخوة – أبدا لا ينتهى جدته فدوما هناك جديد لم تعمله.
لقد كنت أتكلم مرة مع الإخوة عن الجديد فى الالتزام فقلت: إن العلماء يقولون: إن الأكسجين المخلّق حديثا فى المعمل أكثر اشتعالا من الاكسجين الموجود فى الجو.. فما السبب؟، قالوا: لأنه جديد.. وكذلك الالتزام الجديد يكون فيه انطلاقة وحيوية وإيمانيات عالية ثم بعد ذلك يقدم ويضعف ويخفت.
ولذا يحتاج منك دوما إلى تجديد.. بأن يكون كل يوم فى حياتك مختلفا عن سابقه ولاحقه.. فكل يوم له لون جديد فى الطاعة.. فلا تمل ولا تفتر، وتشعر دائما بالإيمان.
ولا تقل: إن الدين ستنتهى أعماله.. لا.. فالاعمال فى ديننا كثيرة ومتنوعة، والطاعة ليس لها حدود.. فأنجز كل يوم شيئا جديدا بشرط أن تقوم به على أحسن وجه.
ابدأ اليوم وقل: اليوم سأضبط الخمس صلوات.. فلن أسمح لذهنى بالشرود.. اليوم تحد.. سأتحدى اليوم شيطان الصلاة " خنذب ".. اليوم سأقرأ فى الخمس صلوات سورا جديدة لم أقرأها من قبل.. بعض الناس فى كل صلواته لا يقرأ إلا بسورتين قصيرتين ويظل معهما شهورا، ولذلك يشرد فلا يعيش الصلاة. لأنه يصلى (أتوماتيك) صلاة مكررة.
يوم آخر، تقول: أذكار الصلاة سأقولها اليوم بقلبى وبدموع عينى.. يوم آخر: سأتدبر اليوم صفحة جديدة من القرآن، وسأظل أغرس معانيها فى قلبى طوال اليوم.. وهكذا.. كل يوم شىء جديد.
سبحان الله العظيم.. حديث فى " صحيح مسلم " أعرفه، قرأته وكأنى أقرأه لأول مرة فى حياتى.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من غازية تغزو فى سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثى أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم " [أخرجه مسلم].
ومعنى ذلك: " أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هى فى مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثى أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر ".
إذا فهناك أحاديث كثيرة أنت سمعتها وتعرفها، ولكن عند التدبر والوقوف عندها تشعر بأنها جديدة عليك، فيزيد بها إيمانك.. إذا فبالجديد يزداد الإيمان.
وكذلك هناك آيات من القرآن تقرؤها فتقول: سبحان الله، هذه الآية جديدة علىّ: لم أسمعها من قبل، مع أنك تقرؤها ليل نهار، ولكن لأنك بدأت تتدبر وتفتح قلبك وتقف مع الآيات، فيرزقك الله المعانى الجديدة. آية فى سورة الرعد " وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا فى الآخرة إلا متاع " (الرعد: 26).. آية جميلة وجديدة، وتردادها وتكرارها وتفهمها يزيد الإيمان ويقويه.. آية – والله – تريح القلب، وتخفف المشاكل، وتزهد فى الدنيا، وتحث على السير إلى الله.
نعـم: نقرأ القرآن كثيرا، ومع ذلك نجد جديدا كلما قرأنا.. ومعانى القرآن لا تنتهى، " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا " (الكهف: 109).. فاقرأ من القرآن آية بنفسها فى أوقات مختلفة وأحوال متغيرة ستخرج كلما قرأت بجديد.. إذا فالجديد كثير.. وما عليك إلا أن تعزم وتجد.
إخوتاه، وحينما تنجزون جديدا وتتمونه على وجهه الأكمل، ستعلمون أنكم كنتم قبل تلعبون، حين تذوقون نعيم الطاعة وطعم الإيمان ولذة الإيمان.. قال الشاعر:
وكنت أظن أن قد تناهى بى الهوى وبلغ بى غاية ليس لى بعدها مذهب
فلمــا تلاقينــا وعــاينت حسنهـــــا علمــت أنــى كنت قبل اليــوم ألعــب
فإذا صليت فصل كما ينبغى، وإذا قرأت القرآن فاقرأه كما ينبغى، وإذا تصدقت فتصدق كما ينبغى.. وإذا قمت الليل أو ذكرت أو حججت أو اعتمرت أو طفت أو سجدت فبحق.. أنجز الجديد فى اليوم الجديد على الوجه الذى ينبغى، لتذوق حلاوة الإيمان.
يقول ابن القيم: " وسعادة المعطى أعظم من سعادة الآخذ ".. نعم: الطاعة بحق لها سعادة وحلاوة ومتعة ولذة.. وهذا هو الدين.. اللهم ارزقنا الالتزام بالدين يا رب.
أخى فى الله، اقرأ اليوم بابا جديدا فى التوحيد، واقرأ غدا فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، وبعد غد اقرأ فى تفسير آية لم تقرأها من قبل.. وهكذا.. أنجز كل يوم جديدا.. جديدا فى العلم.. أو جديدا فى العبادة.. أو جديدا فى الدعوة إلى الله.
جدد إيمانك يوميا حتى لا تفتر أو تمل فى طريق السير إلى الله.. فالتجديد يدفع الملل ويقوى السير ويحث عليه.. فجدد إيمانك وسل الله ذلك، تصل بإذن الله.. اللهم جدد الإيمان فى قلوبنا يا رب.
* * *
مختارات