الأصل الثانى والعشرون : لا تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين
الأصل الثانى والعشرون: تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين
الدين.. ما هو الدين؟!
بعض الناس يرى أن الدين هو العوة، وكل همه الدعوة إلى الله.. يجمع الناس ويدخلهم المساجد ويجلس يكلمهم ويهديهم ويدعوهم، ونسى كل شىء فى الدين الا هذه.. وبعض الناس يرى أن الدين مجرد عبادة: صيام وقيام وذكر وصلاة.. ففرغ نفسه للعبادة تماما وترك كل الدين.. وبعض آخر يرى أن الدين هو العلم، فتراه جالسا للعلم ليل نهار.. علم.. عل.. ونسى بقية جوانب الدين.. وبعض آخر يظن أن الدين إقامة الدولة، فتراه يدأب ويحارب ليقيم دولة الاسلام، ونسى بقية الدين وفرط فيه من أجل هذه الجزئية.
ليس هذا هو الدين.. الدين كل لا يتجزأ.. فكل هذا هو الدين.. الدين هو العلم والعمل والعبادة والدعوة والجهاد للتمكين.. الدين كل.. وكثيرا ما أقول هذه الجملة: الدين لا يؤخذ بالقطاعى، ولا يؤخذ بالتقسيط.. لا يؤخذ بالقطعة.. الدين كل، ولذلك يقول ربى – وأحق القول قول ربى – " ادخلوا فى السلم كافة " (البقرة: 208)، أى خذوا الاسلام بكلياته، واعملوا بكل ما فيه من بر.
ولذلك حينما أخاطب من ترتدى بنطالا بأن تلتزم، يقولون: احمد الله، فهذه أفضل من غيرها.. خطوة خطوة.. فاليوم بنطال وغدا تلبس الإيشارب.. وهكذا.. تدرج، أقول: لا.. ليس هكذا الدين.. الدين ليس لعبة.. الدين ليس تهريجا، قال الله – تعالى -: " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا " (الأنعام: 70).
وتأمل معى هذا الحديث العظيم الذى ينبغى ألا يقرأه أحد قط إلا ويرتجف قلبه ويشيب شعره، حديث الثلاثة الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جرىء فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى ألقى فى النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن،، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارىء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار، ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقى فى النار ".
انظر كيف سعرت جهنم بهؤلاء الثلاثة بعد ما سحبوا على وجوههم إليها، إنه – والله – شىء مخيف.. شىء رهيب.. عالم شهد الله له أنه علّم فقال: علّمت ليقال، ثم يكون أول من يسحب على وجهه إلى جهنم.. عالم معلم.. شيخ داعية.. مشهور مؤثر له أتباع ومع ذلك يدخل جهنم، لأنه فقد الإخلاص لله – سبحانه وتعالى.
وأظن أن ذلك أيضا نتيجة أحادية النظرة، فلعله كان إذا دعى إلى جهاد أو صدقة أو قيام ليل أو مجلس ذكر أو إعانة فقير محتاج، فإنه كان يقول: إننى عالم.. فهدم كل جوانب الدين ظانا أنه يكفيه هذا الجانب الذى هو فيه.. اختل به هذا الجانب أيضا، فهوى به فى هوة سحيقة من جهنم.
ومثله المتصدق: كان يعمل الليل النهار ليحوز المال الذى يتصدق به.. وقصر فى كل جوانب الدين، وإذا ذكرته يقول: أنا أفتح بيوتا وأعول فقراء وأقيت جوعى، إنما أعمل ليقوم بى ناس كثير.. فلما سقط هذا الجانب أيضا ولم يكن له غيره هوى فى بئر جهنم.
فإياك – أخى – أن تغتر بجانب تقوم به، وإنما كن للدين كله – عافانا الله وإياك من اتباع الهوى.
الدين حين يأتى بالأمر، فلابد أن تلتزم به كله فى الحال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا " [متفق عليه].
يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – فى منظومته فى أصول الفقه وقواعده:
والامر للفور فبادر الزمن الا إذا دل دليل فاسمعن
" ومعنى هذا أن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرا بشىء فإنه للفور، يعنى يجب على الانسان أن يفعله فورا من حين أن يوجد سبب الوجود ويكون قادرا على ذلك. " فبادر الزمن " يعنى أن الزمن يمضى ويمشى، فبادر قبل أن يفوت. والدليل على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام الحديبية أن يحلقوا ويحلقوا، ولكنهم تأخروا رجاء أن يحدث لهم نسخ، فغضب النبى صلى الله عليه وسلم لذلك. فكان هذا دليلا على أن الأمر المطلق يكون للفور، ولو أننا قلنا: يجوز التأخير لتراكمت المأمورات وكثرت وعجز الإنسان عنها ".
فاذا اتتزمت اليوم علي طريق الله، فلابد ان تنتهي عن التدخين في نفس اللحظة التي التزمت فيها.. ليس بالتدريج.. فلاتقل: اليوم ادخن عشر سجائروغداخمسا وهكذا حتي اقلع.. لا.. ولاتقولي- ايتها الاخت المتبرجة -: اليوم سأترك " التزين " وبعد ذلك ألبس ملابس طويلة، ثم أغطى شعرى وأربط رقبتى ثم أرتدى بعد ذلك الحجاب.. لا.. فالأمر دين.. اليوم التزمت وتبت إلى الله فالبسى حجابك الشرعى، وسيرى على طريق الله، وانتهت القضية.
أحد الإخوة أراد أن يلعب تنسا، فذهب الى المدرب وقال له: ما المطلوب فى لعب التنس، فقال له المدرب: مضرب تنس و " كاب " أبيض وفانلة بيضاء و " شورت " أبيض وجورب أبيض و " بوت " أبيض.. فقال له الاخ: لا يصح التنس الا بهذا اللبس؟ قال له: نعم، لا يكون التنس الا بهذا الشكل.. فذهب الاخ وأحضر اللبس، فأتى وهو يحمل المضرب فقابله أحد من يعرفه فقال له: أتلعب تنسا؟!!.. لماذا تلعب؟!.. فانظر الى تعجب الناس منه.. لأنهم يظنون فى الاصل أنه رجل دين لا يلعب ولا يلهو !!
الشاهد من هذا الموقف: أن من يريد الدين فلابد أن يلبس " دين ".. قال المدرب: لا يصح التنس الا بهذا الشكل، وأقول لك: لا يصح الدين الا إذا التزمت به كليا. فإذا أردت السير فى طريق الله فلابد أن يكون شكلك بالدين، وحياتك بالدين، لتكون من أهل الدين الفائزين بالوصول الى الله.
فإذا دخل أحد بيتك يعلم من أول وهلة ومن أول نظرة: أنك رجل دين، فعش بالدين وللدين وعلى الدين.. إن الناس اليوم – إخوتاه – لا يلعبون التنس، بل يلعبون بالدين، فأمسك على الدين ولا تلعب به، فالدين ليس تهريجا. إنه حق جد حق، وما هو بالهزل.
فإذا أردت أن تغنى فلا تغن باسم الدين.. إذا أردت أن تلعب فالعب بعيدا عن الدين، ولا تلبس على الناس دينهم بهواك، فتأخذ من الدين ما يعجبك وتترك ما يخالف هواك.. إذا أردت أن تدخل فى الدين وإذا أردت أن تكون من أهله، فالشرط أن تتمسك بالكل.. فلا تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين. الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وجلس بمكة بدأ يعرض نفسه، أى يعرض الدين على القبائل، فيقول لهم: " قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا "، كما كان يعرضه عليهم قبل الطائف، ولكن العرض بعد الطائف كان عرضا للحماية فكان صلى الله عليه وسلم يقول: " هل من رجل يحملنى إلى قومه فيمنعنى (أى يحمينى) كى أبلغ رسالة ربى، فإن قريشا قد منعتنى أن أبلغ رسالة ربى ". نعم: كان يطلب الحماية من القبائل العربية، فأتى بنى عامر بن صعصاع، فعرض عليهم نفسه، فقام رجل منهم يقال له: بحيرة بن فراس فقال: والله لو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الامر من بعدك؟.. يقصد: نحن معك، ولكن عندما تموت سأكون أنا الرئيس المطاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ".. ومعنى هذا الكلام: أنك إذا أردت أن تدخل فى الدين فلا تشترط على الملك.. أنت عبد.. فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلمه ويعلمنا: أنك تبايعنى وتحمينى لتعبد ربك.. تبايعنى وتحمينى لأجل الجنة، لا لشىء من الدنيا.
بعض الشباب يلتزم حتى يعطيه الله المال وغيره.. لا.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الأمر لله يضعه حيث يشاء ".. لذلك تجد بعض الناس يعيشون الدين بالغش، يدخلون الى الالتزام من أجل مصالح دنيوية. فإن كنت قد فعلت، فصحح نيتك، يصحح الله لك عملك.
إن من عادتنا أن نذهب إلى المستشفيات فنأخذ معنا عسلا.. نصف كيلو عسلا، وكتاب " حصن المسلم "، والمصحف للمرضى – اللهم اشف مرضى المسلمين -، فيكون الكتاب والسنة والشفاء.. نعطى للمريض هذه الثلاث، فنأتيه بعد أسبوعين فنجده قد التحى، فيقول: ها أنا ذا قد التحيت، وكأنه يرضينا، لا، بل، قل: التحيت من أجل الله ليشفينى.. ادخل الدين من أجل الله.. ادخله وأنت قوى معافى.. ادخله برضاك، بدلا من أن تدخله وأنت مبتلى مقهور.
الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على مجلس فيه السكينة والوقار، فدخل سيدنا أبوبكر فقال: ممن القوم؟ فقالوا: شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبوبكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: بأبى أنت وأمى، هؤلاء فرد فى قومهم، فقال أبوبكر: كيف المنعة فيكم؟ قالوا: علينا الجد والجهد ولكل قوم جد – كلام جميل -، فقالوا له: إلام تدعو يا أخا قريش؟ قال: " أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله "، فقالوا: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ قال: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " (الأنعام: 151)، وإلام تدعو أيضا، قال: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " (النحل: 90)، فقالوا: دعوت يا أخا قريش والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
قال أحدهم: ولكن – ما زلت أقول: إن آفة الناس كلمة " ولكن " – أنا أرى: إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك على مجلس واحد جلسته إلينا، فإنه لوهن فى الرأى، وسوء نظر فى العاقبة.. إنما تكون الذلة مع العجلة، وإن من ورائنا قوما نكره أن نعقد عليهم عقدا، ولكن نرجع وترجع، وننظر فتنظر.. لا.. الدين ليس هكذا.. الدين ليس فيه أصلّى أم لا؟.. ولا ألتحى أم لا؟ وليس فيه تنتقبين أم لا؟.. الدين قرار على وفق ما يريد المولى.
فقام رجل منهم هو المثنى بن حارثة فقال: إنما نحن نزلنا بين سريان اليمامة والسماوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فما هذا السريان؟ "، فقال المثنى: أنهار كسرى ومياه العرب.. فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مفغور وعذره غير مقبول.. يعنى: أننا لسنا نقدر على كسرى.. وأما ما كان من مياه العرب فذنبه مغفور وعذره مقبول.. وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى: ألا نحدث حدثا ولا نأوى محدثا، إن هذا الأمر تكرهه الملوك.. ما هذا الدين الذى جئت به؟.. وإنا نرى أن هذا الأمر تكرهه الملوك. فإن أحببت أن نؤويك وننصرك ممن يلى مياه العرب فعلنا، أما من كسرى أو قيصر فلا، فلسنا نحتمل الوقوف فى وجه هؤلاء.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه ".
يا لله !.. انظر ماذا قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. فن الدعوة.. قال له: إنك رجل طيب.. أثنى عليه.. فقال: " إذ أفصحتم بالصدق ".. هذه الكلمة لها أثر كبير جدا فى الدعوة.
ولذلك حينما يأتينى أخ ويقول: أنا أوجه أبى إلى عدم التفرج على التلفاز، أقول له: لا.. ليس الامر بهذه الصورة.. أنا أريدك أن تدخل على أبيك وتقول له: ما شاء الله.. وتقبل يده وتقول له: نعم الأب أنت !، فأنت من أفاضل الناس، الحمد لله أن لى أبا مثلك، لكن يا ليتك تبتعد عن التلفاز.. فإنه لا يليق بأهل العلم والأدب والفضل الجلوس أمامه.. نعم.. امدحه بما فيه.. وهكذا يكون الدين، وهكذا تكون الدعوة.. باللين والرحمة والادب.. فافهم الدين. قل له: والله يا أبى لا أرى أحدا يحافظ على صلاة الفجر مثلك، فجزاك الله خيرا.. أنت رجل طيب، وأنا لم أر أحدا يكرم إخوانه مثلك.. أراك من أهل الحق، فتعطى الاجير حقه، فلا تظلم أحدا.
والله يا أبى انا أحبك فى الله، لأنى طوال عمرى ما سمعتك تكذب أو تشتم.. أخى فى الله، امدح أباك بما فيه تكسب قلبه ويحب الدين.. ادعه بأدب، لإذا أغلظ معك القول فقال مثلا: اخرج خارج البيت، أو قال: أتمثل علىّ.. فقل له بأدب ورحمة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما أسأتم الرد، إذ أفصحتم بالصدق.. ولكن هذا الدين لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه ".
إخوتاه، إننا نضيق بمن ندعوهم، لأننا لم نفهم الدين.. لأننا متضايقون ومهمومون، أو قل: عاصون.. يأتينى أحدهم مهموما مخنوقا.. مالك؟!، يقول: روحى تكاد أن تخرج، أقول له: هل تحتاج إلى مال؟.. لا.. المال كثير، هل زوجتك أغضبتك؟.. لا.. يا ليت كل النساء مثل زوجتى، أولادك؟.. الحمد لله حالهم حسنة.. تحتاج إلى عمل؟ !.. لا.. كل شىء على ما يرام.. إذا ما الامر؟، يقول: لا أعرف، فأنا مخنوق ومتعب.. أقول له: تعال، افتح صدرك لى وقل لى.
يقول: والله لا أعرف، ولو كنت أعرف لقلت لك.. ليس هناك سبب واضح للضيق الذى انا فيه الآن.. وأحيانا يقول هذا الكلام أخ ملتزم.. لقد كان حالى قبل أن التزم أحسن من هذا، فكنت لا أعصى الله بهذه الطريقة، ماذا جرى بعد الالتزام؟ !!
إخوتاه، إليكم السر.. السر فى الضيق والهم والغم هو المعصية الكبيرة التى تعملها وتصر عليها فتسبب لك الوحشة..يقول ابن القيم فى كتاب " الداء والدواء ": " إن المعصية توقع بين العبد وبين الله وحشة، فإن زادت استحكمت تلك الوحشة " اهـ.
إذا زادت المعصية زادت فى المسافة بينه وبين أقرب الناس إليه.
فترى هذا الذى استحكمت عليه الوحشة إذا قال له أحد: مالك؟، يقول: لا أريد أحدا أن يقول لى: مالك !، وإذا سأل عنه أصحابه، قال: قولوا لهم ليس موجودا، فإذا استحكمت الوحشة أكثر وقعت بينه وبين نفسه.
يقول العلماء: وقد تقتل هذه الوحشة إن زادت.. نعم: قد يموت بسببها.. فسر الوحشة معصية، وأخطر المعاصى معصية السر، أن تعصى ربك ولا يراك غيره، لأنك ساعتها تحذر أن يراك الناس ولا تحذر أن يراك الله، تخاف من الناس ولا تخاف من الله.
إذا فقد يكون هناك جانب من الدين متهدم فى حياتك هو هذا الجانب " المعصية فى السر ".. والذى يسبب لك الوحشة.
وقد يكون هذا الجانب هو أنك هاجر للقرآن، فلا تحفظ ولا تراجع ولا تتلو.. هاجر بالكلية.. وقراءة القرآن للتعبد سنة مستحبة، ولكن هدمها هدم للدين.. وقد يكون الجانب المنهدم من دينك هو عدم صلتك للرحم أو عدم برك بوالديك، وقد تكون اللحية.
أرى بعض الملتزمين اليوم بدون لحية.. هل هى غير مهمة؟!.. اللحية فرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعفوا اللحى " [متفق عليه].. " أرخوا اللحى " [أخرجه مسلم].. " وفروا اللحى " [أخرجه البخارى].. بالامر.. وإذا تعللت بالمشكلات، فقد تخدعنى ولكن أبدا لن تخدع الله.. لا.. اللحية فرض.
وقد يكون الجانب الذى هدمته من الدين: الصلاة.. فى بعض الاحيان أكون ذاهبا الى الدرس ونتأخر فى الطريق، فأصلى المغرب فى أى مسجد فأجد الامام ينقرها فى دقيقة وكنت أصلى أنا وصاحب لى والامام، فقال الامام: الله أكبر، سمع الله لمن حمده، السلام عليكم ورحمة الله.. هكذا.. كلام سريع متلاحق، وبعد أن انتهيت لحقت به وانا لا أتمالك نفسى فقلت له: هذه الصلاة لا أستطيع أن أمرها هكذا.. لا أستطيع أن يمر علىّ مغرب بهذه الصورة.. إذا سأعيده.
وأنا لا أقول: إن صلاة الرجل باطلة، ولكنى أنا لم أصل.. أنا أريد أن أتذوق الصلاة.. أريد أن أتمتع.. أريد ان أصلى لأتشرب معانى الصلاة فتؤثر فى قلبى.. ليس بسرعة.
قد يكون المسجد الذى بجوار بيتك صلاته كصلاة هذا الرجل، وأنت تصل كل يوم بهذا الشكل، وتقول: ماذا أصنع؟!، أقول: يا أخى، المساجد كثيرة – اللهم زد بيوتك فى الارض -، فلا يخلو شارع من مسجد أو اثنين أو ثلاثة، ستقول صلاتهم سريعة أيضا، أقول: ابحث عن مسجد قريب يطمئن فيه قلبك للصلاة.. لبحث ولن تعدم مسجدا إمامه حريص على السنة.
لقد كان بجوارنا مسجد يقولون عنه: " المجرى ".. فالمؤذن يؤذن ويظل واقفا ثم يقيم الصلاة، والامام خلفه واقف، فتصلى وراءه وكأنك لم تصل، إذا فكن حريصا على صلاة تنفعك أمام الله.. صلاة تغذى قلبك بالايمان.. صلاة تسد جوعك الروحى.. فقد تكون الصلاة هى الجانب المنهدم فى حياتك الذى يسبب لك الوحشة.
أخى فى الله، ابحث عن الجانب أو الجوانب التى هدمتها فى دينك وسدها.. أقم جوانب الدين تزل عنك الوحشة.. لا تهمل جانبا واحدا من جوانب الدين.. فالدين كل.. قال - تعالى – " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم * هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملائكة وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور " (البقرة: 208 – 210)
فلابد أن تأخذ الدين كله.. وإياك أن تتمسك بجزئية فيه وتترك الباقى.. فبالكل لا بالجزء بإذن الله تصل.
* * *
مختارات