دلالة الايات الكونيه على خالقها ومبدعها
يأخذنا القرآن في جولات وجولات نرتاد آفاق السماء، ونجول في جنبات الأرض، ويقف بنا عند زهرات الحقول، ويصعد بنا إلى النجوم في مداراتها، وهو في كلّ ذلك يفتح أبصارنا وبصائرنا، فيرينا كيف تعمل قدرة الله وتقديره في المخلوقات، ويكشف لنا أسرار الخلق والتكوين، ويهدينا إلى الحكمة من الخلق والإيجاد والإنشاء، ويبين عظيم النعم التي حبانا بها في ذوات أنفسنا وفي الكون من حولنا.
إنه حديث طويل في كتاب الله يطالعك في طوال سوره وقصارها، وهو حديث مشوق تنصت إليه النفس، ويلذه السمع، ويستثير المشاعر والأحاسيس.
ولقد طالعت الكثير مما توصل إليه العلم والعلماء في شتى جوانب الحياة يبينون أسرار الخلق، ودلالة الخلق على الخالق، فما وجدت في شيء من ذلك كلّه ما وجدته في القرآن من جمال وصف، ووفرة علم، واستثارة مشاعر، وحسن توجيه، ودقة استنتاج، وكيف لا يكون كذلك وهو تنزيل الحكيم الحميد !!
فعل الله في الكون:
تعال معي لنقوم بجولة مع الآيات القرآنية ؛ نرتاد هذا الكون ليرينا كيف تعمل قدرة الله في مختلف أرجاء الكون: في الحبّة تلقى في التربة فتنفلق، وتضرب بجذورها في التربة، فيخرج من الحبّة الجامدة حياة تتمثل في سوق، وأوراق، وأزهار تفوح بالشذى، وثمار يتغذى بها الإنسان والحيوان. وفي الإصباح وهو ينبلج... وفي سكون اليل... ومسير الشمس والقمر.. (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنَّى تؤفكون – فالق الإصباح وجعل اليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم) [الأنعام: 95-96].
وانظر إلى مشهد السحاب كيف يصنعه الله، والبرد كيف يكوّنه ويصرفه (ألم تر أن الله يُزجى سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله رُكاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبالٍ فيها من بردٍ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) [النور: 43].
ويحدثنا الله عن فعله في الظلّ: (ألم تر إلى ربك كيف مدَّ الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً – ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً) [الفرقان: 45-46]
وانظر إلى تصريفه شؤون الحياة والأحياء والليل والنهار: (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزُّ من تشاء وتذلُّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيٍ قديرٌ – تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) [آل عمران: 26-27].
لا يكتفي القرآن بأن يرينا قدرة الله وهي تعمل في الكون، وعلمه يحيط بالمخلوقات، وتصريفه للشؤون المختلفة... ولكنّه – مع ذلك – يعرفنا بالغاية التي خلق الكون من أجلها.
خلق الله هذه الأرض من أجل الإنسان (هو الذي خلق لكم مَّا في الأرض جميعاً) [البقرة: 29] خلقها لنا على نحو يتوافق مع طبيعتنا وتكويننا ويحقق لنا الصلاح، وهذا ما سماه القرآن بالتسخير.وهو لا يخبرنا بذلك مجرد إخبار، وإنّما يوقفنا على هذا التسخير الذي جعله الله في الكون، (ألم تروا أنَّ الله سخَّر لكم ما في السَّماوات وما في الأرض) [لقمان: 20] فالنجوم خلقت لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر: (وهو الذَّي جعل لكم النُّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البّرِ والبحرِ قد فصِّلنا الآيات لقومٍ يعلمون) [الأنعام: 97].
والأرض والسماء، وإنزال الماء من السماء، والسفن السابحة في البحر، والأنهار الجارية في جنبات الأرض، والشمس والقمر، وتعاقب الليل والنهار... كلّ ذلك مخلوق لنا ولخيرنا ولصلاحنا (الله الذي خلق السَّماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخِّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخَّر لكم الأنهار – وسخَّر لكم الشمس والقمر دائِبين وسخِّر لكم الليل والنَّهار – وَآتَاكُم من كلّ ما سألتموه) [إبراهيم: 32-34].
مختارات