نعم الله فى الكون
عرّفنا القرآن بأنّ الله خلق هذا الكون وسخّره لنا، فجعله متوافقاً مع جبلتنا، وقدّره تقديراً تصلح به حياة الإنسان، والقرآن يتخذ من هذا الحديث والبيان سبيلاً ليشكر الإنسان ربّه، إذ الإنسان مفطور على حب من أحسن إليه (هل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان) [الرحمن: 60].
ولذلك فقد أفاض القرآن في ذكر النعم التي حباها الله عباده في ذوات أنفسهم (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) [الملك: 23]، وفي الكون من حولهم: (الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون – والذي نزَّل من السماءِ ماء بقدرٍ فأنشرنا به بلدةً مَّيتاً كذلك تخرجون – والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون – لتستووا على ظهوره ثمَّ تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) [الزخرف: 10-13].
وخلق لنا الشمس والقمر على نحو يحقق النفع والصلاح (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدَّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) [يونس: 5].
والأنعام من الجمال والأبقار والأغنام، وكذلك الخيل والبغال والحمير خلقها لنا على نحو يفيدنا ويتناسب مع طبائعنا وتكويننا (والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون – ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون – وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إنَّ ربَّكم لرءوفٌ رحيمٌ – والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون) [النحل: 5-8].
والبحر مخلوق لنا أيضاً، وفي خلقه على ما هو عليه ما يحقق لنا الشيء الكثير (وهو الذَّي سخَّر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلَّكم تشكرون) [النحل: 14].
والنحل خلقه الله ليقوم بذلك العمل الرائع، لينتج لنا ذلك الشراب المختلف الألوان، ليتغذى به البشر، ويكون لهم شفاء (وأوحى ربُّك إلى النَّحل أن اتَّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشَّجر وممَّا يعرشون – ثمَّ كلى من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاءٌ للنَّاس إنَّ في ذلك لأيةً لقومٍ يتفكرون) [النحل: 68-69].
التعرف على الله من خلال آياته الكونية سبيلٌ حثَّ عليه القرآن:
حث القرآن عباد الله على النظر في آيات الله الكونية: الأرض، والسماء، وما فيهما وما بينهما، وجعل النظر والتأمل في ذلك من الذكرى التي تنفع المؤمنين.
وقد أعجبني تسمية بعض المعاصرين لهذا المنهج (بقانون السير والنظر) لكثرة حث الآيات القرآنية على ذلك، وقد يكون السير والنظر حسيّان، فيسير المرء بقدميه، وينتقل من بلد لآخر، كما قد يكون النظر بالبصر، وقد يكونان بالفكر والعقل.
وقد جاء الأمر في القرآن أمراً عاماً (قل انظروا ماذا في السَّماوات والأرض) [يونس: 101]. وقد يأتي أمراً خاصاً (فلينظر الإنسان ممَّ خلق) [الطارق: 5]، (فلينظر الإنسان إلى طعامه) [عبس: 24].
مختارات