" أعمال القلوب والإسلام "
" أعمال القلوب والإسلام "
أصل الإسلام في القلب هو الخضوع لله جل وعلا، يقول ابن تيمية: (دين الإسلام الذي ارتضاه الله، وبعث به رسله، هو الاستسلام لله وحده، فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون سواه، فالإسلام في الأصل من باب العمل: عمل القلب والجوارح) (مجموع الفتاوى ).
ويبين أن الأحاديث التي جاءت في تفسير الإسلام إنما تفسره بأنه (الاستسلام لله بالقلب مع الأعمال الظاهرة كما في الحديث المعروف الذي رواه أحمد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال: والله يا رسول الله ما أتيتك حتى حلفت عدد أصابعي هذه أن لا آتيك، فبالذي بعثك بالحق ما بعثك به؟ قال: «الإسلام» قال: وما الإسلام؟ قال: «أن تسلم قلبك وأن توجه وجهك لله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة»....) (رواه أحمد وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة).
(والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب) (مجموع الفتاوى).
فالأعمال الظاهرة التي منها أركان الإسلام كما في حديث جبريل المشهور لا تقبل ما لم تقرن بالنية، والإخلاص لله، وهما من أعمال القلوب، قال تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ".
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» (أخرجه البخاري ومسلم).
كما أن عظم أجرها وتكفيرها الذنوب بحسب ما يصاحبها من أعمال قلبية.
فأما الشهادتان، فقد ذكرلهما أهل العلم شروطًا من أعمال القلوب، مثل: الإخلاصن والصدق، والمحبة، واليقين، وأدلة هذه الشروط مذكورة في كتب التوحيد، كقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» (أخرجه البخاري ومسلم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه، إلا حرمه الله على النار» (أخرجه البخاري ومسلم).
وقد أكذب الله المنافقين مع نطقهم بالشهادتين لما كان ما في قلوبهم مناقضًا لهما، يقول الله تعالى: " إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " [المنافقون: 1].
وأما الصلاة فيقول الله تعالى: " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ " [الأنعام: 162، 163] وقوله تعالى: " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ " [المؤمنون: 2].
وأما الزكاة فيقول الله تعالى: " وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " [البقرة: 265].
ويقول تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ " [البقرة: 264].
وأما الصيام فلا يدخله الرياء، من جهة أنه سر بين العبد وبين ربه؛ إذ بإمكان الصائم الفطر في خلوته، لكن مع ذلك جاء ثوابه مشروطًا بالإيمان والاحتساب في قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله ما تقدم من ذنبه» (أخرجه البخاري ومسلم).
وأما الحج فيقول تعالى: " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ " [البقرة: 196] وهو رحلة تعظيم لشعائر الله: " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ " [الحج: 32].
والتلبية التي هي شعار الحج تحي معاني الإخلاص والشكر والتعظيم، والتعبد المحض والانقياد المطلق لله تبارك وتعالى.
مختارات