" العُــدْوَان "
" العُــدْوَان "
ذَمُّ العُدْوَان والنَّهي عنه:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
حذَّر الإسلام مِن العُدْوَان؛ لأنَّها صفة مذمومة ومقيتة، ونهى عن التَّعاون عليها، وقد وردت آياتٌ تحذِّر مِن العُدْوَان، منها قوله تعالى: " وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " [المائدة: 2].
قال الطَّبري: ( " وَالْعُدْوَانِ " يقول: ولا على أن تتجاوزوا ما حدَّ الله لكم في دينكم، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم) [جامع البيان].
- قال تعالى: " وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " [المائدة: 62].
قال ابن كثير: (أي: يبادرون إلى ذلك مِن تعاطي المآثم والمحارم، والاعتداء على النَّاس، وأكلهم أموالهم بالباطل " لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " أي: لبئس العمل كان عملهم، وبئس الاعتداء اعتداؤهم) [تفسير القرآن العظيم].
- قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " [المائدة: 87].
قال السعدي: (والله قد نهى عن الاعتداء فقال: " وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك) [تيسير الكريم الرحمن].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن عائشة قالت: (أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أناس مِن اليهود، فقالوا: السَّام عليك يا أبا القاسم، قال: وعليكم، قالت عائشة: قلت: بل عليكم السَّام والذَّام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لا تكوني فاحشة، فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلتُ: وعليكم) [رواه البخارى ومسلم].
والمراد بالفحش هنا هو: (عُدْوَان الجواب) [القاموس المحيط،للفيروز آبادى].
- عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم) [رواه مسلم].
قال النَّوويُّ: (معناه أنَّ إثم السُّباب الواقع مِن اثنين مختصٌّ بالبادئ منهما كلُّه، إلَّا أن يتجاوز الثَّاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر ممَّا قال له) [شرح النووى على صحيح مسلم].
#### أقوال السَّلف والعلماء في العُدْوَان:
- عن أيوب قال: (مَرَّ ابن عمر برجل يكيل كيلًا كأنَّه يعتدي فيه، فقال له: ويحك ! ما هذا؟ فقال له: أمر الله بالوفاء، قال ابن عمر: ونهى عن العُدْوَان) [رواه عبد الرزاق فى المصنف].
- عن ابن الحنفيَّة قال: (دخل علينا ابن ملجم الحمَّام وأنا وحسن وحسين جلوسٌ في الحمَّام، فلمَّا دخل كأنَّهما اشمأزَّا منه، وقالا: ما أجرأك تدخل علينا ! قال فقلت لهما: دعاه عنكما، فلعمري ما يريد بكما أحشم مِن هذا، فلمَّا كان يوم أُتِي به أسيرًا، قال ابن الحنفيَّة: ما أنا اليوم بأعرف به منِّي يوم دخل علينا الحمَّام، فقال عليٌّ: إنَّه أسيرٌ فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه، فإن بَقِيتُ قتلتُ أو عفوت، وإن متُّ فاقتلوه قِتْلَتِي ولا تعتدوا؛ إنَّ الله لا يحبُّ المعتدين) [رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى].
- عن الرَّبيع قال: (سمعت الشَّافعي يقول: أنفع الذَّخائر التَّقوى، وأضرُّها العُدْوَان) [رواه أبو نعيم فى حلية الأولياء].
- كتب الفضل بن يحيى إلى عامل له: (بئس الزَّاد إلى المعاد العُدْوَانُ على العباد) [التذكرة الحمدونية،لابن حمدون].
من آثار العُدْوَان:
1- توعُّد المعتدي بدخول النَّار:
قال تعالى: " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ " [ق: 24-25].
(قال لمن استحق النار: " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ " أي: كثير الكفر والعناد لآيات الله، المكثر من المعاصي، المجترئ على المحارم والمآثم " مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ " أي: يمنع الخير الذي عنده الذي أعظمه، الإيمان بالله وملائكته وكتبه، ورسله مناع، لنفع ماله وبدنه " مُعْتَدٍ " على عباد الله، وعلى حدوده " مُّرِيبٍ " أي: شاك في وعد الله ووعيده، فلا إيمان ولا إحسان ولكن وصفه الكفر والعدوان، والشك والريب، والشح، واتخاذ الآلهة من دون الرحمن) [تيسير الكريم الرحمن،للسعدى].
2- المعتدي بعيد عن محبَّة الله والقرب منه:
قال تعالى: " ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " [الأعراف: 55].
قال الطبري: (وأما قوله: " إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " [الأعراف: 55] فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لعباده في دعائه ومسألته ربه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حد لهم في دعائهم إياه ومسألتهم وفي غير ذلك من الأمور) [جامع البيان للطبرى].
3- المعتدي على مال الغير دمه هدر:
نقل القرطبي عن أهل العلم قوله: (قال علماؤنا: ويُنَاشَد اللِّصُّ بالله تعالى، فإن كفَّ تُرِك، وإن أَبَى قُوتِل، فإن أنت قتلته فشَرُّ قتيلٍ، ودمه هدرٌ) [الجامع لأحكام القرآن].
#### من صور العُدْوَان:
1- القتل:
مِن صور العُدْوَان قتل النَّفس بغير حقٍّ، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا " [النِّساء: 29-30].
قال السعدي: (لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه، ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك " إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود) [تيسير الكريم الرحمن،للسعدى].
2- أكل مال الغير بغير حقٍّ:
سواء بالسَّرقة أو الغصب أو النَّهب أو الاختلاس والاحتيال..، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا " [النِّساء: 29-30].
يقول ابن كثير: (نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا) [تفسير القرآن العظيم].
3- العُدْوَان على الأعراض:
قال صلى الله عليه وسلم: (فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحُرمة يومكم هذا) [رواه البخارى ومسلم].
ويشمل التَّعدِّي على الأعراض: الغيبة والسَّبَّ والشَّتم والقذف وغير ذلك.
من أسباب الوقوع في العُدْوَان:
1- مخالفة أوامر الله:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [البقرة: 178].
2- اتَّباع الهوى:
قال تعالى: " وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ " [الأنعام: 119].
يقول ابن كثير: (بين تعالى جهالة المشركين في آرائهم الفاسدة، من استحلالهم الميتات، وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى: " فقال وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ " أي: هو أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم) [تفسير القرآن العظيم].
3- الكراهية والبغضاء.
#### الملامح الأساسيَّة للشَّخصيَّة العُدْوَانيَّة:
يرى الأطباء النَّفسانيون أنَّ هناك سلوكيات يُعْرَف به الشَّخص العُدْوَاني مِن غيره، وهذه السُّلوكيَّات كالتَّالي:
1- المماطلة، حيث التَّأخير في إنجاز الأشياء التي يجب أداؤها.
2- سرعة التَّهيج، والمجادلة وعبوس الوجه، والتَّجهُّم عندما يطلب منه أن يؤدِّي عملًا غير مرغوب لديه.
3- يتعمَّد العمل ببطء أو بدون إتقان في المهام التي لا يريدها.
4- يحتجُّ كثيرًا دون تبرير بأنَّ النَّاس تطلب أشياء غير معقولة.
#### الوسائل المعينة على ترك العُدْوَان:
1- طاعة أوامر الله عزَّ وجلَّ.
2- البعد عن الهوى وزلَّات النَّفس.
3- تذكُّر الموت والعاقبة.
4- التَّضرُّع والدُّعاء.
5- البعد عن الوساوس في جميع أموره.
6- البعد عن المنافسة غير الشَّريفة.
مختارات