الصفة الرابعة عشر من صفات المؤمنين كظم الغيظ
وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة في أوصاف المتقين الذين وعدهم بالمغفرة لذنوبهم، وأعدّ لهم الجنة جزاء لهم على أعمالهم الصالحة الطيبة، وأمر عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة، وذلك يكون بالمسارعة إلى أسباب ذلك، وهي الأعمال الصالحة، فقال -تعالى-: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.
وكظم الغيظ: رده في الجوف، يقال: كظم غيظه، أي: سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوّ، وكظمت السقاء أي: ملأته وسددته عليه، والكظامة ما يسدّ به مجرى الماء، وفيه رجل كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئًا غمًّا وحزنًا، وفي القرآن الكريم: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ وقوله ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ وقوله إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ.
والغيظ أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، لكن فرقان ما بينهما: أن الغيظ لا يظهر على الجوارح بخلاف الغضب، فإنه يظهر في الجوارح مع فعل ما، ولا بد.
فوصف الله -تعالى- المتقين بقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: الجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، والمعنى: أنه إذا ثار بهم الغيظ كظموه أي: كتموه، فلم يعملوه ؛ إذ الكظم حبس الشيء عند امتلائه، وكظم الغيظ أن يمتلئ غيظًا فيرده في جوفه ولا يظهره.
ومنه قوله -تعالى-: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ليس الشديد بالصُّرعَة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب أخرجه أحمد والبخاري ومسلم
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: لا تغضب فردد مرارا قال: لا تغضب رواه البخاري
وقال -عليه الصلاة والسلام-: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ رواه الإمام أحمد وأبو داود
وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من جُرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد الله إلا ملأ الله جوفه إيمان أخرجه الإمام أحمد
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: وإسناده حسن ليس فيه مجروح، ومتنه حسن.
مختارات