احوال الذاكرين
هذه بعض احوال الذاكرين ممن شرفهم واصطفاهم رب العالمين نتعرف عليها راجين الوصول الى التشبه بحالهم لكى نرضى ربنا ونذكره بما يليق به على مراده ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم
قال مِسعر: كانت دوابُّ البحر في البحر تَسكُنُ، ويوسفُ عليه السلام في السجن لا يسكن عن ذكر الله تعالى.
وكان لأبي هريرة خيطٌ فيه ألفا عُقدة، فلا يُنام حتّى يُسبِّحَ به.
وكان خالد بنُ معدان يُسبِّحُ كلَّ يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلما مات وضع على سريره ليغسل، فجعل يُشير بأصبعه يُحركها
بالتسبيح
وقيل لعمير بن هانئ: ما نرى لسانَك يَفتُرُ، فكم تُسبِّحُ كلَّ يوم؟ قال: مئة ألف تسبيحة، إلا أنْ تُخطئ الأصابع، يعني أنَّه يَعُدُّ ذلك بأصابعه "
وقال عبد العزيز بنُ أبي رَوَّاد: كانت عندنا امرأةٌ بمكة تُسبح كلّ يوم اثني عشرة ألف تسبيحة، فماتت، فلما بلغت القبر، اختُلِست من بين أيدي الرجال.
كان الحسن البصري كثيراً ما يقول إذا لم يُحدث، ولم يكن له شغل: سبحان الله العظيم، فذكر ذلك لبعض فقهاء مكة، فقال: إنَّ صاحبكم لفقيه
وكان عامةُ كلام ابن سيرين: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده.
وكان المغيرة بنُ حكيم الصنعاني إذا هدأت العيون، نزل إلى البحر، وقام في الماء يذكر الله مع دوابِّ البحر "
نام بعضُهم عند إبراهيم بن أدهم قال: فكنتُ كلَّما استيقظتُ من الليل، وجدتُه يذكر الله، فأغتمّ، ثم أُعزِّي نفسي بهذه الآية: }
ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ "
المحبُّ اسم محبوبه لا يغيبُ عن قلبه، فلو كُلّف أنْ ينسى تذكُّره لما قدر، ولو كلف أنْ يكفّ عن ذكره بلسانه لما صبر.
كَيْفَ يَنسى المُحبُّ ذِكرَ حَبيبٍ اسمُــه فـي فُؤاده مَكتوبُ
كان بلالٌ كلَّما عذَّبه المشركون في الرمضاء على التوحيد يقول: أحدٌ أحدٌ، فإذا قالوا له قل: اللات والعُزَّى، قال: لا أحسنه "
يُراد مِنَ القَلبِ نِسيانُكُـــم وتَأْبَــى الطِّباعُ على النَّاقِلِ
كلَّما قويت المعرفةُ، صار الذكرُ يجري على لسان الذاكر من غير كُلفة، حتى كان بعضهم يجري على لسانه في منامه: الله الله، ولهذا يُلهم أهلُ الجنة التَّسبيح، كما يُلهمون النفسَ، وتصيرُ (لا إله إلا الله) لهم، كالماء البارد لأهل الدنيا، كان الثوري ينشد:
لا لأَنِّي أَنساكَ أُكثـرُ ذِكرا ك ولكـنْ بِذاكَ يَجري لِساني
إذا سمِعَ المحبُّ ذكر اسم حبيبه من غيره زاد طربه، وتضاعف قَلَقُه، قال النَّبيُّ ﷺ لابن مسعودٍ: (اقرأ عليَّ القرآن)، قال: أقرأ عليكَ وعَلَيكَ أُنزل؟ قال:
(إنِّي أُحبُّ أنْ أسمعه من غيري)، فقرأ عليه، ففاضت عيناه.
سمع الشبلي قائلاً يقولُ: يا الله يا جَوادُ، فاضطرب
وداعٍ دعا إذ نَحْنُ بالخَيفِ مِن منى فهَيَّجَ أشجانَ الفُؤادِ وما يَدري
دَعا بِاسم لَيلَى غَيرَها فكأَنَّما أطارَ بِليلى طائراً كان في صدر
النبض ينْزعج عند ذكر المحبوب:
إذا ذُكِر المحبوب عندَ حبيبه تَرنَّحَ نَشـوانٌ وحَنَّ طرُوبُ
ذكر المحبين على خلاف ذكر الغافلين: } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ "
وإنِّي لَتَعْروِني لِذكْرَاكِ هِزَّةٌ كَما انتفضَ العُصفورُ بَلَّلهُ القطْرُ
أحد السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله: (رجلٌ ذكرَ الله خالياً، ففاضت عيناه)
قال أبو الجلد: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: إذا ذكرتني، فاذكرني، وأنت تنتفض أعضاؤُك، وكُن عندَ ذكري خاشعاً مطمئناً، وإذا ذكرتني، فاجعل لِسانك من وراء قلبك "
وصف عليٌّ يوماً الصحابة، فقال: كانوا إذا ذكروا الله مادُوا كما يميد الشجرُ في اليوم الشديد الريح، وجرت دموعهم على ثيابهم "
قال زهير البابي: إنَّ لله عباداً ذكروه، فخرجت نفوسُهم إعظاماً واشتياقاً، وقوم ذكروه، فوجِلَتْ قلوبهم فرقاً وهيبة، فلو حُرِّقوا بالنَّار، لم يجدوا مَسَّ النار، وآخرون ذكروه في الشتاء وبرده، فارفضّوا عرقاً من خوفه، وقومٌ ذكروه، فحالت ألوانهم غبراً، وقومٌ ذكروه، فجَفَّتْ أعينُهم سهراً.
صلَّى أبو يزيد الظهر، فلما أراد أنْ يُكبِّر، لم يقدر إجلالاً لاسم الله، وارتعدت فرائصه حتى سمعت قعقعةُ عظامه "
كان أبو حفص النَّيْسابوري إذا ذكر الله تغيَّرت عليه حالُه حتى يرى ذلك جميع من عنده، وكان يقولُ: ما أظن محقاً يذكر الله عن غير غفلة، ثم يبقى حياً إلا الأنبياء، فإنَّهم أيدوا بقوَّة النبوَّة وخواصِّ الأولياء بقوَّة ولايتهم.
إذا سمِعَتْ باسمِ الحَبيبِ تَقعقعت مَفاصِــلُها مِنْ هَولِ ما تَتذَكَّرُ
وقف أبو يزيد ليلةً إلى الصباحِ يجتهد أنْ يقول: لا إله إلا الله، فما قدر إجلالاً وهيبةً، فلما كان عند الصباح، نزل، فبال الدَّم "
وما ذكرتُكُمُ إلاّ نَسيتُكُم نسيانَ إجلال لا نِسيانَ إهمالِ إذا تَذكَّرتُ مَنْ أنتُم وكيف أنَا أَجْلَلتُ مِثلَكُم يَخطُرْ على بالي
من جامع العلوم والحكم
مختارات