فقه الإيمان بالملائكة (٤)
وللملائكة مع البشر ثلاثة أدوار:
الأول: دورهم مع جميع بني آدم مؤمنهم وكافرهم من تشكيلهم للنطفة، وحراسة العباد، ومراقبة كل أحد، وتبليغ الوحي، ونزع الأرواح ونحو ذلك.
الثاني: دور الملائكة مع المؤمنين، ومن ذلك:
١ - محبتهم للمؤمنين:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُّحِبُّ فُلاناً فَأحْبِبْهُ، فَيُّحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُّحِبُّ فُلاناً فَأحِبُّوهُ، فَيُّحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأرْضِ» متفق عليه (١).
٢ - صلاتهم على المؤمنين، كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣)} [الأحزاب: ٤٣].
والصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة ورحمته له.
والصلاة من الملائكة بمعنى الدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم.
والملائكة يصلون على معلمي الناس الخير.
ويصلون على الذين ينتظرون صلاة الجماعة ما لم يحدثوا.
والله وملائكته يصلون على الصف الأول، وعلى الصفوف المتقدمة.
وعلى الذين يصلون الصفوف، ويسدون الفرج، وعلى الذين يتسحرون.
وعلى الذين يصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والملائكة يستغفرون للذين يعودون المرضى.
٣ - تأمين الملائكة على دعاء المؤمنين، وبذلك يكون أقرب للإجابة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأخِيهِ، بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ.
وَلَكَ بِمِثْلٍ» أخرجه مسلم (٢).
وإذا كان الدعاء المؤمن عليه حرياً بالإجابة، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يدعو على نفسه بشر.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ.
فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» أخرجه مسلم (٣).
٤ - استغفارهم للمؤمنين ودعاؤهم لهم كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧)} [غافر: ٧].
٥ - شهود الملائكة مجالس العلم وحلق الذكر.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ للهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ الله تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ.
قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأجْنِحَتِهِمْ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» متفق عليه (٤).
وإذا جلس المسلم في حلقة العلم استفاد من الملائكة فائدتين:
الأولى: أن الملائكة تحف بمن يطلب العلم إكراماً لهم، وتدعو لهم، وتحرسهم.
الثانية: أن الصحبة مؤثرة، فإذا حفتهم الملائكة استفادوا منها كرامتين: أنهم في ذلك المجلس لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
وهذان مقصد الحياة:
امتثال أمر الله.
وعدم معصية الله.
فالأعمال الصالحة تقرب الملائكة منا وتقربنا منهم، ولو استمر العباد في حالة عالية من الإيمان والسمو الروحي لوصلوا إلى درجة مشاهدة الملائكة ومصافحتهم.
عن حنظلة الأسيدي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً» أخرجه مسلم (٥).
٦ - تسجيل الملائكة للمسلمين الذين يحضرون الجمعة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلائِكَةُ عَلَى باب الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشاً، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» متفق عليه (٦).
٧ - تعاقب الملائكة على المؤمنين فطائفة تأتي، وطائفة تذهب.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْألُهُمْ وَهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» متفق عليه (٧).
ومن الملائكة من يتنزل عند قراءة القرآن يستمعون له.
ولله ملائكة سياحون يبلغون سلام الأمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل وقت.
ومنهم من يحمل البشارات للأنبياء وغيرهم كما بشرت الملائكة إبراهيم كما قال سبحانه: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨)} [الذاريات: ٢٨].
وبشرت زكريا بيحيى كما قال سبحانه: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)} [آل عمران: ٣٩].
والملائكة تقاتل مع المؤمنين ضد أعدائهم كما قال سبحانه: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢)} [الأنفال: ١٢].
ومنهم من يرسله الله لحماية ونصرة صالحي عباده كما أرسل جبريل لإغاثة هاجر وابنها إسماعيل، فبحث بعقبه حتى خرج ماء زمزم بأمر الله.
والملائكة تشهد جنائز الصالحين، وتظل الشهداء بأجنحتها، وتحمي مكة والمدينة من الدجال.
والملائكة يؤمنون مع المؤمنين.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه (٨).
فهذه بعض أعمال الملائكة مع المؤمنين.
فعلينا أن نتولى جميع الملائكة بالحب والتوقير والإكرام، ونتجنب ما يسيء إليهم ويؤذيهم من المعاصي والمنكرات، والروائح الكريهة.
والملائكة لا تدخل الأماكن والبيوت التي يعصى الله فيها، أو يوجد فيها ما يكرهه الله ويبغضه كالأنصاب والصور، والتماثيل والكلاب، والسكران، والجنب إلا أن يتوضأ.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» متفق عليه (٩).
الثالث: دور الملائكة مع الكفار والفساق.
فالملائكة لا يحبون الكفرة الظالمين المجرمين، بل يعادونهم ويحاربونهم ويلعنونهم.
كما حاربت الملائكة مع المؤمنين ضد الكفار في بدر كما قال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)} [الأنفال: ٩].
وكما حاربوا الأحزاب في الخندق كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٩)} [الأحزاب: ٩].
وقد أرسل الله ملائكة إلى قوم لوط الذين جمعوا مع الكفر فاحشة إتيان الذكران من العالمين، فرفع جبريل ديارهم بمن فيها ثم قلبها كما قال سبحانه: {قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣)} [هود: ٨١ - ٨٣].
والملائكة تلعن الكفرة الذين كفروا بالله ولم يستجيبوا لرسله وماتوا على ذلك كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١)} [البقرة: ١٦١].
ولا تلعن الملائكة الكفرة فحسب.
بل قد تلعن من فعل ذنوباً معينة، كالمرأة التي يدعوها زوجها إلى الفراش فتأبى، فالملائكة تلعنها حتى ترجع.
ومن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، لما فيه من الترويع لأخيه.
ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فما أعظم قدرة الله، وما أعظم مخلوقاته، وما أعظم خلقه من الملائكة الذين لا يحصيهم ولا يحصي أعمالهم إلا الله.
وله الحمد سبحانه على عنايته ببني آدم حيث وكل من الملائكة من يقوم بحفظهم ونصرتهم والدعاء لهم، والاستغفار لهم.
فعلينا محبة جميع الملائكة الذين يقومون بعبادة الله، والدعاء والاستغفار للمؤمنين، وتنفيذ أوامر الله، وتبليغ الوحي إلى رسل الله.
إن الإيمان بالملائكة شأنه شأن الحقائق الغيبية المستيقنة التي جاءت من عند الله، يوسع آفاق الشعور الإنساني بالوجود، فلا تنكمش صورة الكون عنده على ما تدركه الحواس وهو ضئيل.
كما أنه يؤنس قلب الإنسان بهذه الأرواح المؤمنة من حوله، تشاركه إيمانه بربه، وتستغفر له، وتكون في عونه على الخير بإذن الله.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٢٠٩) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٦٣٧).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٢٧٣٣).
(٣) أخرجه مسلم برقم (٩٢٠).
(٤) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٤٠٨) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٦٨٩).
(٥) أخرجه مسلم برقم (٢٧٥٠).
(٦) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٩٢٩) واللفظ له، ومسلم برقم (٨٥٠).
(٧) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٥٥) واللفظ له، ومسلم برقم (٦٣٢).
(٨) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٨٠) واللفظ له، ومسلم برقم (٤١٠).
(٩) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٨٥٤)، ومسلم برقم (٥٦٤) والل(١٠) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٨٠) واللفظ له، ومسلم برقم (٤١٠).
مختارات

