فقه الإيمان بالملائكة (١)
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} [فاطر: ١].
وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)} [البقرة: ٢٨٥].
الله تبارك وتعالى خلق جميع الكائنات:
خلق السموات والأرض.
وخلق الشمس والقمر.
وخلق الليل والنهار.
وخلق ما نراه وما لا نراه.
فخلق الدنيا والآخرة.
وخلق الأجساد والأرواح.
وخلق الإنس والجن.
وخلق الملائكة.
والملائكة خلق عظيم من خلق الله خلقهم الله من نور.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُم» أخرجه مسلم (١).
والملائكة من حيث الرتبة عباد مكرمون.
وهم من حيث الطاعة لله منحهم الله عزَّ وجلَّ الانقياد التام لأمره، وأعطاهم القدرة على تنفيذه، وجبلهم على الطاعة فهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} [التحريم: ٦].
وهم من حيث العمل يعبدون الله ويسبحونه على الدوام: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)} [الأنبياء: ١٩، ٢٠].
وهم من حيث العدد خلق كثير لا يحصيهم إلا الله جل جلاله.
منهم حملة العرش.
ومنهم الذين حول العرش.
ومنهم ملائكة السموات.
فالسموات السبع كل سماء مملوءة بالملائكة.
بل ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد لله.
يصلي منهم كل يوم في البيت المعمور فوق السماء السابعة سبعون ألف ملك، فإذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم.
ففي قصة المعراج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى السماء السابعة قال: «فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (٢).
والملائكة عالم غيبي لا يحصيهم إلا الله منهم من أعلمنا الله بأسمائهم وأعمالهم، ومنهم من اختص الله بعلمهم.
فنؤمن بمن سمى الله منهم كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومالك خازن النار، ورضوان خازن الجنة، ومن لم نعلم اسمه منهم نؤمن بهم إجمالاً.
والملائكة كغيرهم من المخلوقات:
متفاوتون في الخلق.
متفاوتون في الصفات.
متفاوتون في الأعمال.
جعلهم الله رسلاً في تدبير أوامره القدرية.
ورسلاً بينه وبين خلقه في تبليغ أوامره الدينية لرسله وأنبيائه.
ومنحهم سبحانه من القوة والقدرة ما يستطيعون به تنفيذ أوامر ربهم في أسرع وقت.
فقوة جميع الخلائق كلها لا تساوي قوة ملك من الملائكة، فكيف بقوة جميع الملائكة؟، فكيف بقوة من خلقهم سبحانه؟.
فإسرافيل (ملك من الملائكة وكله الله بالنفخ في الصور، والصور قرن كالبوق، وبنفخة واحدة منه يصعق من في السموات السبع ومن في الأرضين السبع.
فهذه نفخة الصعق.
ثم ينفخ في الصور نفخة البعث، فإذا الخلائق كلهم قيام ينظرون.
بنفخة واحدة يصعق من في العالم العلوي، ومن في العالم السفلي، إلا من شاء الله.
وبنفخة أخرى يقومون لرب العالمين كما قال سبحانه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} [الزمر: ٦٨].
فهاتان نفختان من إسرافيل، بالأولى مات من في العالم، وبالأخرى دبت الحياة في جميع من في العالم.
فماذا يملك إسرافيل من النفخات؟.
وإذا كانت هذه قوة نفخته، فكم تكون قوة جسده؟.
وكم تكون قوة من خلقه وأمره جلَّ جلاله؟.
فسبحان العزيز الجبار الكبير المتعال الذي قهر جميع الخلائق، وخلق القوة في كل قوي: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦)} [هود: ٦٦].
وجبريل - صلى الله عليه وسلم - ملك من الملائكة وكله الله بالوحي إلى الأنبياء، خلق الله له ستمائة جناح، جناح واحد منها لما نشره سد الأفق.
وبطرف جناحه قلع خمس قرى من قرى قوم لوط بما فيها من المخلوقات والجبال ثم رفعها إلى السماء، ثم قلبها عليهم بأمر الله عزَّ وجلَّ.
وإذا كانت هذه قوة طرف جناحه، فكم قوة كامل جناحه؟.
وكم قوة وعظمة أجنحته الستمائة التي خلقها الله له؟.
وإذا كانت هذه قوة طرف جناحه.
فكم تكون قوة جميع أجنحته؟.
وكم تكون قوة جسده؟.
فكيف بقوة خالقه العزيز الجبار جلَّ جلاله؟.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل له ستمائة جناح.
متفق عليه (٣).
(١) أخرجه مسلم برقم (٢٩٩٦).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٢٠٧) واللفظ له، ومسلم برقم (١٦٢).
(٣) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٨٥٧) واللفظ له، ومسلم برقم (١٧٤).
مختارات

