ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها
هي ميمونة بنت الحارث بن حَزْن بن بُجَير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال (29 ق.هـ- 51هـ= 593- 671م). وأُمُّها: هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن حمير. وأخوات ميمونة لأبيها وأُمِّها: أمُّ الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى عصماء بنت الحارث زوج الوليد بن المغيرة، وهي أمُّ خالد بن الوليد، وكانت تحت أُبَيِّ بن خلف الجهمي فوَلَدَتْ له أَبَانًا وغيره، وعزَّة بنت الحارث التي كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك، فهؤلاء أخوات أمِّ المؤمنين ميمونة لأبٍ وأُمٍّ. أمَّا أخوات ميمونة لأُمِّها: أسماء بنت عُمَيس، كانت تحت جعفر بن أبي طالب فوَلَدَتْ له عبد الله وعونًا.
وتسميتها باسم (ميمونة) إنما سماها بهذا الاسم النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كَانَ اسْمُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بَرَّةُ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم: مَيْمُونَةَ ".
وقد كان يقال: أكرمُ أصهار عجوزٍ في الأرض هندُ بنت عوف بن زهير بن الحارث أمُّ ميمونة، وأمُّ أخواتها أصهارها العباس وحمزة ابنا عبد المطلب، الأول على لبابة الكبرى بنت الحارث منها، والثاني على سلمى بنت عميس منها، وجعفر وعلي ابنا أبي طالب كلاهما على أسماء بنت عميس، الأول قبل أبي بكر والثاني بعد أبي بكر، وشداد بن أسامة بن الهادي الليثي على سلمى بنت عميس منها بعد وفاة حمزة بن عبد المطلب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بنتها زينب بنت خزيمة، ثم بعد وفاتها أختها لأُمِّها ميمونة بنت الحارث.
مكانة ميمونة بنت الحارث
كان للسيِّدة ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- مكانتها بين أُمَّهات المؤمنين؛ فهي أخت أُمِّ الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن الوليد، كما أنها خالة ابن عباس رضي الله عنهم.
ورُوي لها سبعة أحاديث في " الصحيحين "، وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثًا.
وقد وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخواتها بالمؤمنات؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأَخَوَاتُ مُؤْمِنَاتٌ: مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ، وَأُمُّ الْفَضْلِ بنتُ الْحَارِثِ، وسَلْمَى امْرَأَةُ حَمْزَةَ، وَأَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ هِيَ أُخْتُهُنَّ لأُمِّهِنَّ "، وفي هذا الحديث منقبة عظيمة وفضيلة ظاهرة لأم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها حيث شهد لها المصطفى صلى الله عليه وسلم بحقيقة الإيمان واستقراره في قلبها هي وأخواتها اللاتي ذكرن معها رضي الله عنهن وأرضاهن.
زواج ميمونة بنت الحارث من رسول الله
لما تأيَّمت ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- عرضها العباس رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم في الجُحْفَة، فتزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنى بها بسَرِف على عشرة أميال من مكة، وكانت آخر امرأة تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة سبع للهجرة (629م) في عمرة القضاء. وهي خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وقد أصدقها العباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم، وكانت قَبْلَه عند أبي رُهْم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي؛ ويقال: إنها التي وَهَبَتْ نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها، فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله. فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: 50].
وقد قيل: إن اسمها كان بَرَّة، فسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وكانت -رضي الله عنها- قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد.
الحكمة من زواج النبي من ميمونة بنت الحارث
لقد حقَّق النبي صلى الله عليه وسلم بزواجه من السيدة ميمونة -رضي الله عنها- مصلحة عُلْيَا، وهي أنه صلى الله عليه وسلم بهذه المصاهرة لبني هلال كَسَبَ تأييدهم، وتألَّف قلوبهم، وشجعهم على الدخول في الإسلام، وهذا ما حدث بالفعل، فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم منهم العطف الكامل والتأييد المطلق، وأصبحوا يدخلون في الإسلام تباعًا، ويعتنقونه طواعيةً واختيارًا.
قال العلامة محمد رشيد رضا: ورد أن عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم العباس رغَّبه فيها، وهي أخت زوجه لبابة الكبرى أمِّ الفضل، وهو الذي عقد له عليها بإذنها، ولولا أن العباس رأى في ذلك مصلحةً عظيمةً، لما اعتنى به كل هذه العناية.
ميمونة بنت الحارث في بيت النبي
كانت -رضي الله عنها- آخر امرأة تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وكانت جَعَلَتْ أمرها إلى أختها أمِّ الفضل، فجعلتْ أمُّ الفضل أمرها إلى زوجها العباس، فزوَّجها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأصدقها عنه أربعمائة درهم. ويُقال: إنها هي التي وَهَبَتْ نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى فيها: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: 50]. لما انتهت إليها خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وهي راكبة بعيرًا قالت: الجمل وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبانضمام السيدة ميمونة -رضي الله عنها- إلى ركب آل البيت، وإلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لها -كما لأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن- دور كبير في نقل حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأُمَّة، كما قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 34]. قال البغوي: قوله عز وجل: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ يعني: القرآن، ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ قال قتادة: يعني السُّنَّة. وقال مقاتل: أحكام القرآن ومواعظه.
ومن ثَمَّ كانت أُمَّهات المؤمنين تنقل الأحكام الشرعية بدقَّة بالغة، فنجد الأحاديث التي يُذكر فيها الغسل والوضوء وما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في نومه واستيقاظه ودخوله وخروجه، وما كان أحد لينقل هذه الأمور كلها بهذه الدقَّة إلاَّ أُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ وذلك نظرًا لصحبتهن الدائمة للرسول صلى الله عليه وسلم.
ميمونة بنت الحارث تروي عن رسول الله
روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنها: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، ومولاها سليمان بن يسار، وعبد الله بن سليط، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وابن أختها عبد الله بن عباس، وابن أخيها عبد الرحمن بن السائب الهلالي، وغيرهم.
وفاة ميمونة بنت الحارث
وقد تُوُفِّيَتْ رضي الله عنها بسَرِف بين مكة والمدينة، حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة (51هـ= 671م)، أكَّد ذلك ابن حجر وغيره[14]، وكان لها يوم تُوُفِّيَتْ ثمانون أو إحدى وثمانون سنة[15] [16].
مختارات