هل معضلة الإنسان: فقد المعنى!؟
في قاعة صغيرة فيها طاولة مستديرة للاجتماعات جعلها أستاذ الدراسات العليا في الجامعة مكانا لمحاضرتنا الأسبوعية في الماجستير حيث كان عددنا قليلا.
.
كان أستاذنا يناقش نظرية ماسلو الشهيرة في تصنيف حاجات الإنسان وأكثرها إلحاحا وتأثيرا في تصرفاته
والتي تقول إن الحاجات يتم إشباعها تصاعديا بدءا من الحاجات الأساسية كالطعام والتنفس ثم حاجات الأمن ثم العلاقات ثم الحاجة للتقدير ثم في قمة الهرم تحقيق ذاته.
.
وأن الحاجة الأهم تحكم سلوكه حتى يتم إشباعها.
.
وفي أثناء النقاش.
طرأ لي سؤال،
قلت: يا دكتور
نحن نقرأ في التاريخ ونشاهد في حياتنا قصصا ينقلب فيها هذا الهرم رأسا على عقب
نرى جوعى يضحون بحياتهم في سبيل معنى يؤمنون به
كيف قفز هؤلاء على درجات الهرم وتخطوها؟
بل أين حاجة تقدير وتحقيق ذواتهم من قمة الهرم وهم يموتون وتفنى ذواتهم من أجل المعنى الذي اعتقدوه؟
وهم لا يريدون شيئا ولا تقديرا ولا شكرا
وذكرت مثالا للصحابة رضي الله عنهم.
.
انزعج الأستاذ من سؤالي وامتعض من هذا الكلام الذي يبدو ميتافيزيقيا في علم يعتقد أنه مادي محض لا علاقة له بالقيم الروحية.
.
وأعرض عنه بطريقة فجة تعبر عن استخفافه وأنه لا يستحق النقاش.
.
لقد كان السؤال كما اعتقدته ولا أزال إيرادا واضحا على النظرية التي تعرضت لنقد كبير في علم النفس وعورضت بنظريات أخرى.
.
لكني تفهمت موقف أستاذي الطيب ولم أجد في نفسي عليه لأنها متلازمة شهيرة يعاني منها الكثير من دارسي العلوم الإنسانية
فهو يعتقد أن بحث القضايا الروحية أو الدينية خارج عن موضوع العلم الذي يدرسه
وهذا شيء غريب فأكابر باحثي علم النفس والاجتماع حتى الملاحدة منهم كفرويد يدرسون بعمق الدين والروح ويفسرونه حسب نظرياتهم.
.
كان في وسع الأستاذ أن يناقش الموضوع من مدخل علم النفس وأن يحاول تفسير هذا المعنى الذي أثاره أحد طلابه.
.
تذكرت هذه الواقعة بعد نحو ربع قرن من ذلك النقاس حين أردت الحديث عن المعنى
حيث زاد الاهتمام بهذا المصطلح بعد كتاب فيكتور فرانكل الشهير
وكأن أزمة الإنسان هي فقدان المعنى
ومن هنا تطورت الاقتراحات التي تحاول صناعة معنى مناسب وإيجاد شيء يعيش الإنسان من أجله.
.
ليس المهم أي شيء يكون؟
بل المهم أن لا يبقى الإنسان فاقدا لمعنى يسخر حياته له.
.
ولذا ليس غريبا أن ترى عالما من المعاني التي حاول الإنسان ابتكارها
تبدو سخيفة وتبعث على الازدراء
لكنهم يحاولون إقناعك أن المعنى شيء نسبي فما تراه تافها وسخيفا يمكن أن يكون معنى جديرا بالعيش من أجله.
والحقيقة أن أزمة الإنسان ليست في فقدان المعنى.
.
فإن الإنسان العاقل لايحركه إلا إرادة والتي تفتقر لمراد (المعنى في اصطلاحهم).
أزمة الإنسان في انشغاله بمعنى أو معان لا تستحق أن يعيش من أجلها.
.
فهو مفطور على العيش لمعنى واحد وهو تحقيق العبودية لله
فبعثرة حياته في اصطناع قضايا وزخرفة غايات لا يغير من حقيقة الفقدان
فقدان المعنى الذي يستحق الحياة.
.
ومراتب الانحراف عن المعنى متعددة وجديرة بالتفصيل
ومنها تضخيم المشاريع الصغيرة على حساب المعنى الكبير.
وضابط أولويات المعنى الوحي وطريق الأنبياء.
مختارات