باب ما ورد في خلق آدم عليه السلام (٣)
وأمرَ اللَّه آدمَ عليه السلام أن يسكن هو وزوجه الجنَّة، فقال: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥].
وقال في الأعراف: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٨ - ١٩] وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٦ - ١١٩] وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلقَ حواء كان قبلَ دخول آدم إلى الجنَّة [لقوله: ﴿يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ (١) [البقرة: ٣٥].
وهذا قد صرَّح به إسحاقُ بن يَسار، وهو ظاهرُ هذه الآيات.
ولكن حكى السُّدِّي: عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عبَّاس، وعن مُرَّة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة؛ أنهم قالوا: أُخرجَ إبليس من الجنَّة، وأسكنَ آدمُ الجنَّة، فكان يمشي فيها وحشيًّا ليس له فيها زوج يسكن إليها، فنامَ نومةً فاستيقظَ، وعند رأسه امرأةٌ قاعدةٌ، خلقَها اللَّه من ضِلْعه، فسألَها: منْ أنتِ؟ قالت: امرأةٌ.
قال: ولمَ خُلقتِ؟ قالت: لتسكنَ إليَّ.
فقالت له الملائكةُ ينظرونَ ما بلغَ من علمه: ما اسمُها يا آدمُ؟ قال: حوَّاء.
قالوا: ولمَ كانتْ حوَّاء؟ قال: لأنها خُلِقتْ من شيءٍ حيّ (٢).
وذكر محمد بن إسحاق: عن ابن عبَّاسِ: إنَّها خُلقتْ من ضِلْعه الأقصرِ الأيسرِ وهو نائمٌ، ولأمَ (٣) مكانَه لحمًا، ومصداق هذا في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: ١] الآية.
وفي قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَازَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] الآية.
وسنتكلَّم عليها فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى.
وفي الصحيحين (٣): من حديث زائدةَ، عن مَيْسرة الأشجعيِّ، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: "استوصُوا بالنساء خيرًا، فإنَّ المرأةَ خُلِقتْ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا" لفظ البخاري.
وقد اختلف المفسرون (٤) في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البقرة: ٣٥] فقيل: هي الكَرْمُ، ورُوي عن ابن عبَّاس، وسعيد بن جُبَيْر، والشعبي، وجَعْدةَ بن هُبيرة، ومحمد بن قَيْس، والسُّدِّي، ورواه عن ابن عبَّاس، وابن مسعود، وناس من الصحابة، قال: وتزعمُ يهودُ أنَّها الحنطةُ، وهذا مرويٌّ عن ابن عبَّاس، والحسن البصري، ووهب بن منبِّه، وعطية العوفي، وأبي مالك، ومحارب بن دِثار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
قال وهب: والحبَّةُ (٥) منه ألينُ من الزبد وأحلى من العسل.
وقال الثوريُّ: عن حُصَيْن، عن أبي مالك: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ هي النَّخْلةُ (٦).
وقال ابن جريج، عن مجاهد: هي التِّيْنةُ، وبه قال قتادةُ (٧).
وقال أبو العالية: كانت شجرةً منْ أكلَ منها أحدثَ، ولا ينبغي في الجنَّة حدَثٌ (٨).
وهذا الخلاف قريبٌ، وقد أبهمَ اللَّهُ ذِكرَها وتعيينَها، ولو كان في ذكرها مصلحةٌ تعودُ إلينا لعيَّنَها لنا، كما في غيرها من المَحالِّ التي تُبْهمُ في القرآن.
وإنما الخلافُ الذي ذكروه في أنَّ هذه الجنَّة التي أُدْخِلها آدمُ؛ هل هي في السماء (٩) أو في الأرض؟ هو الخلاف الذي ينبغي فَصْلُه والخروج منه، والجمهورُ على أنها هي التي في السماء، وهي جنَّة المأوى؛ لظاهر الآيات والأحاديث، كقوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذِهْني، وهو المستقر شرعًا من جنَّة المأوى، وكقول موسى عليه السلام لآدم عليه السلام "علامَ أخرجْتنا ونفسكَ من الجنة.
.
.
.
" (١٠) الحديث، كما سيأتي الكلام عليه.
ورواه مسلم في صحيحه (١١): من حديث أبي مالك الأشجعيّ، -واسمه: سعدُ بن طارق- عن أبي حازم سلمةَ بن دينار، عن أبي هريرة.
وأبو مالك، عن ربعي، عن حذيفة، قالا: قال رسول اللَّه ﷺ: "يجمعُ اللَّه النَّاسَ، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة، فيأتون آدمَ فيقولون: يا أبانا! استفتح لنا الجنَّة، فيقول: وهل أخرجَكم من الجنة إلَّا خطيئة أبيكم.
.
" وذكر الحديث بطوله.
وهذا فيه قوة جيِّدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنَّةَ المأوى، وليست تخلو عن نظر.
وقال آخرون: بل الجنة التي أُسكنها آدمُ لم تكنْ جنَّةَ الخلد، لأنه كُلِّفَ فيها ألا يأكلَ من تلك الشجرة، ولأنه نامَ فيها وأُخرجَ منها، ودخلَ عليه إبليسُ فيها، وهذا مما يُنافي أن تكونَ جنَّة المأوى.
وهذا القول محكيٌّ عن أُبيِّ بن كعب، وعبد اللَّه بن عبَّاس، ووهْبِ بن مُنَبِّه، وسفيان بن عُيَيْنة، واختارَه ابنُ قُتيبة في "المعارف" (١٢) والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في "تفسيره" وأفرد له مصنفًا على حدة، وحكاه عن أبي حنيفة (١٣) الإمام وأصحابِه، ﵏.
ونقله أبو عبد اللَّه محمد بن عمر الرازي ابن خطيب الريّ في "تفسيره" (١٤) عن أبي القاسم البَلْخي وأبي مُسلم الأصبهاني.
ونقله القرطبيُّ في "تفسيره" (١٥) عن المعتزلة والقدرية، وهذا القول هو نصُّ التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.
وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في "الملل والنحل" (١٦) وأبو محمد بن عطيَّة في "تفسيره" (١٧) وأبو عيسى الرُّمَّاني في "تفسيره".
وحكى عن الجمهور الأوَّل، وأبو القاسم الراغب، والقاضي الماوردي في "تفسيره" فقال: واختُلف في الجنة التي أسكناها، يعني آدم وحواء على قولين.
أحدُهما: أنَّه (١٨) جنَّةُ الخلد.
الثاني: أنَّه جنَّة أعدها اللَّه لهما وجعلَها دار ابتلاءٍ، وليست جنَّة الخلد التى جعلَها دار جزاء.
ومن قال بهذا اختلفوا على قولين:
أحدُهما: أنها في السماء، لأنه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنها في الأرض، لأنه امتحنَهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نُهيا عنها دون غيرها من الثمار.
وهذا قول ابن يحيى، وكان ذلك بعد أن أُمر إبليسُ بالسجود لآدم، واللَّه أعلم بصواب ذلك.
هذا كلامه.
فقد تضمَّن كلامُه حكايةَ ثلاثةِ أقوالٍ، وأشعرَ كلامُه أنَّه متوقف في المسألة.
ولهذا حكى أبو عبد اللَّه الرازي في "تفسيره" في هذه المسألة أربعةَ أقوال، هذه الثلاثة التي أوردَها الماوردي.
ورابعُها: الوقف.
وحكى القولَ بأنها في السماء، وليست جنَّة المأوى عن أبي علي الجُبَّائي.
وقد أوردَ أصحابُ القول الثاني سؤالًا يحتاج مثلُه إلى جواب، فقالوا: لا شكَّ أنَّ اللَّه طردَ إبليسَ حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية، وأمره بالخروج عنها، والهبوط منها، وهذا الأمرُ ليس من الأوامر الشرعية بحيثُ يُمكن مخالفتُه، وإنما هو أمر قدَريٌّ لا يُخالفُ ولا يُمانَعُ، ولهذا قال: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا﴾ [الأعراف: ١٨] وقال: ﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٣] وقال: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [ص: ٧٧] والضميرُ عائدٌ إلى الجنة أو السماء أو المنزلة، وأيًّا ما كان فمعلومٌ أنه ليس له الكونُ قدرًا في المكان الذي طُرد عنه وأُبعد منه، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز.
قالوا: ومعلومٌ من ظاهر سياقاتِ القرآن أنَّه وسوسَ لآدمَ وخاطبَه بقوله له: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠] وبقوله: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ [الأعراف: ٢٠ - ٢٣] الآية.
وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنَّتهما.
وقد أُجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمعَ بهما في الجنَّة على سبيل المرور فيها، لا على سبيل الاستقرار بها، أو أنَّه وسوسَ لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء.
وفي الثلاثة نظر، واللَّه أعلم.
ومما احتجَّ به أصحابُ هذه المقالة: ما رواه عبدُ اللَّه بن الإمام أحمد في الزيادات، عن هُدبة بن خالد، عن حمَّاد بن سلمةَ، عن حُميد، عن الحسن البصريّ، عن عُتَيّ بن ضَمْرة السعديّ، عن أُبيّ بن كعب، قال: إنَّ آدمَ لما احتُضرَ اشتهى قِطْفًا من عِنَب الجنَّة، فانطلقَ بنوه ليطلبوه له، فلقيتْهم الملائكةُ، فقالوا: أينَ تُريدونَ يا بني آدمَ؟! فقالوا: إنَّ أبانا اشتهى قِطْفًا من عِنَبِ الجنَّة.
فقالوا لهم: ارجعوا فقد كُفيتمُوه.
فانتهوا إليه فقَبضُوا روحَه، وغسَّلوه وحنَّطوه وكفَّنوه،، وصلَّى عليه جبريلُ ومنْ خلفَه من الملائكة، ودفنوه.
وقالوا: هذه سُنَّتكم في موتاكم.
وسيأتي الحديث بسنده، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم ﵇.
قالوا: فلولا أنَّه كان الوصولُ إلى الجنَّة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القِطْفَ ممكنًا لما ذهبوا يطلبونَ ذلك، فدلَّ على أنها في الأرض لا في السماء، واللَّه تعالى أعلم.
قالوا: والاحتجاجُ بأنَّ الألفَ واللام في قوله: ﴿يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [الأعراف: ١٩] لم يتقدَّم عهد يعود عليه، فهو المعهود الذهني مُسلَّم، ولكن هو ما دلَّ عليه سياق الكلام، فإن آدمَ خُلِقَ من الأرض، ولم يُنقل أنه رُفِعَ إلى السماء، وخُلقَ ليكونَ في الأرض، وبهذا أعلمَ الربُّ، حيث قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠].
قالوا: وهذا كقوله تعالى: ﴿بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [القلم: ١٧] فالألفُ واللام ليس للعموم ولم يتقدَّم معهودٌ لفظيٌّ، وإنما هي للمعهود الذهني الذي دلَّ عليه السياق، وهو البستان.
قالوا: وذِكرُ الهبوط لا يدلُّ على النزول من السماء، قال اللَّه تعالى: ﴿قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨] الآية.
وإنما كانَ في السفينة حين استقرت على الجوديِّ، ونضبَ الماءُ عن وجه الأرضِ، أُمرَ أن يهبطَ إليها هو ومن معه، مباركًا عليه وعليهم، وقال اللَّه تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ [البقرة: ٦١] الآية وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٤] الآية.
وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير.
قالوا: ولا مانعَ -بل هو الواقع- أن الجنَّة التي أُسكنها آدمُ كانت مرتفعةً على سائر بقاع الأرض، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونُضْرة وسرور، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾ [طه: ١١٨] أي: لا يذلُّ باطنُكَ بالجوع، ولا ظاهرُك بالعُرْي: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] أي: لا يمسُّ باطنُكَ حرُّ الظمأ ولا ظاهرك حرُّ الشمس.
ولهذا قرنَ بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا؛ لما بينهما من المقابلة.
فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نُهي عنها؛ أُهبط إلى أرض الشقاء والتعب والنَّصب والكدُ والسعي والنَّكد والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان دِينًا وأخلاقًا وأعمالًا وقصودًا (١) وإراداتٍ وأقوالًا وأفعالًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [البقرة: ٣٦] ولا يلزمُ من هذا أنهم كانوا في السماء، كما قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [الإسراء: ١٠٤] ومعلومٌ أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء.
قالوا: وليس هذا القولُ مُفرَّعًا على قول من يُنكر وجود الجنَّة والنَّار اليوم، ولا تلازم بينهما، فكلَّ منْ حُكي عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف، ممن يُثبتُ وجودَ الجنَّة والنَّار اليومَ، كما دلَّتْ عليه الآياتُ والأحاديثُ الصِّحاحُ، كما سيأتي إيرادُها في موضعها، واللَّه عز وجل أعلمُ بالصواب.
(١) ما بين الحاصرتين سقط من "ب".
(٢) تفسير الطبري (٣/ ٥٧٨).
(٣) لأمَ: أصلح.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٣٣١) في الأنبياء، ومسلم (١٤٦٨) (٦٠) في الرضاع.
(٥) انظر تفسير الطبري (١/ ٢٦٨ - ٢٧٠) وتفسير ابن كثير (١/ ١٠٢ - ١٠٣).
(٦) في ب: والخبز، وما أثبتناه من أ، والمطبوع، والتفسير (١/ ١٠٢).
(٧) تفسير الطبري (١/ ٢٧٠).
(٨) تفسير ابن كثير (١/ ١٠٢).
(٩) في ب: السماوات.
(١٠) انظر الحديث وتخريجه (ص ١٣١).
(١١) صحيح مسلم (١٩٥) في الإيمان.
وتزلف: تقترب.
(١٢) المعارف لابن قتيبة (٦٩).
(١٣) في هامش "أ": روى عن أبي حنيفة أن الجنة التي أدخل فيها آدم ليست جنة الخلد.
(١٤) التفسير الكبير للفخر الرازي (٣/ ٤).
(١٥) تفسير القرطبي (١/ ٣١٥).
(١٦) الملل والنحل لابن حزم الأندلسي (١/ ١٨).
(١٧) المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية (١/ ٢٤٩).
(١٨) في المطبوع: أنها.
مختارات

